رامي زريقيتعامل العديد من اللبنانيين مع ما بقي في بلادنا من قبائل البدو بتعالٍ له رائحة العنصرية، ينظرون إليهم ولكن لا يرونهم، رغم انتشارهم في كل المناطق اللبنانية، من ضواحي المدن إلى مصايف الأغنياء. وإذا سئلوا عن هؤلاء الذين يعيشون في خيم ومنازل مركبة من قطع الأخشاب وألواح الزينكو، يسمونهم باسمهم الحقيقي: «عرب». إلا أن لهذه الكلمة في أفواههم رنين الشتيمة. حتى جنسيتهم اللبنانية مشكوك بأمرها، إذ إنهم لا يتطابقون مع صورة اللبناني ـــ الفينيقي قاهر البحار وناشر الأبجدية. سبق وجود البدو في المشرق العربي بما فيه لبنان وجود معظم السكان الحاليين. إلا أن قيام الدولتين اللبنانية والسورية وإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين حرمهم من مراعيهم التقليدية.
أتى تبدّل طرق العيش وما تبعها من تركيز الخدمات في المدن، ليفرض على البدو الرحّل تغييراً حياتياً جذرياً. قامت بعض بلدان الجوار مثل سوريا والأردن وإيران بمحاولات احتواء البدو في منظومتها الحديثة، فأنشأت سوريا قرى على مقربة من الأراضي الرعوية لإسكان بعض قبائلهم ولمدّهم بالخدمات الضرورية، وفتحت لهم الأردن أبواب الالتحاق بالجيش، مما أتاح لهم المحافظة على بعض التقاليد مع الانخراط في المملكة، بينما حاولت إيران توفير بعض الخدمات الأساسية لبعض قبائل الرحّالة من دون أن تفرض عليهم الاستقرار. أما في لبنان فلم نعترف حتى اليوم بوجود البدو الذين تحوّلوا إلى فقراء الفقراء واكتسبوا ميزة فريدة من نوعها: أصبحوا خفيين.
يصعب اليوم إيجاد دراسة تتناول هؤلاء، أو برنامجاً تنموياً يستهدفهم. هم غائبون تماماً عن هموم المجتمع الأهلي وعن «أجندة» السياسيين، فلبنان لا يعترف بحقوق الفئات الاجتماعية إلا إذا تحوّلت إلى طوائف.