عمر نشّابة«ما بدّك تحكي يا كلب!؟ أنا بفرجيك!». الاعتراف هو أساس حلّ لغز الجريمة في نظام العدالة المتخلّف القائم حالياً في لبنان. الويل لمن يشتبه به ولا يقرّ بارتكاب الجريمة. فالاعتراف عن حقّ أو عن باطل هو السبيل الوحيد إلى الخلاص. الاعتراف يوقف صفعات المحقّق على وجه الموقوف (الذي لا «واسطة» لديه) ولكماته المذلّة وضربات العصا على جراحه المفتوحة وإهانات أمّه وأخته وربّه...
«الضرورات تبيح المحظورات» اختراع أطلقه فقهاء السياسة في دولة القانون والمؤسسات التي «صرعونا» بشعاراتها منذ الاستقلال. يعتمد المحقّق الجنائي هذا الاختراع خلال جلسات التحقيق الاستنطاقية. بشاعة الجريمة وشدّة التعاطف مع الضحية والاقتناع بأن الموقوف «ما بيفهم إلا بالضرب» ورغبة عرض العضلات، جميعها من الضرورات، وتبيح بالتالي للمحقّق الجنائي إجازة التعذيب الجسدي والمعاملة القاسية والمهينة في القانون والدستور.
يبدأ «الخبيط» والإذلال خلال اللحظات الأولى من التوقيف، ويتكرّر خلال الاستجواب، ويتجدّد بعده إذا لم يعترف المشتبه به بارتكاب الجريمة. فالبريء الحقيقي يفترض به أن يخرج من المخفر «مورّماً». وبما أنها فضيحة بنظر البعض وخصوصاً بنظر أولئك الذين يطالبون باحترام القانون وحقوق الإنسان، لا يطلق سراح البريء «المورّم» إلّا بعد شفاء جراحه واختفاء آثارها الجسدية.
مصلحة الطبّ الشرعي في وزارة العدل تقدّم لائحة طويلة من الذين يرفعون شعار «الضرورات تبيح المحظورات»، بما فيها محظورات قسم أبقراط. معظمهم ليس أصلاً مؤهّلاً علمياً بحسب المعايير الدولية لممارسة الطبّ الشرعي. أما المحامون، فحدّث ولا حرج. منهم من يستفيد من علاقاته بالمحقّق لتحصيل أتعاب وقف التعذيب من ذوي الموقوف، ومنهم من يدفع المحقق إلى استنفاد جميع طاقاته لكشف براءة موكله.
«الوزير زياد بارود ما بدّو عنف؟! خلّينا نشوف كيف بدو ينجح التحقيق». المشكلة تكمن في غياب البديل. فالمحقّق «الأشطر» في الشرطة القضائية وفرع المعلومات واستخبارات الجيش والأمن العام وأمن الدولة هو الأكثر شدّة في التعاطي مع المشتبه بهم. يرعبهم و«يربّيهم فيفرطون» أمامه ويعترفون.
يجري حالياً العمل على إنشاء مركز التدريب العملي للشرطة القضائية في عرمون. ويفترض أن يكون المركز جاهزاً للتدريب في نيسان 2009. هل يستمرّ التعذيب حتى ذلك الحين أم يُحترم القانون والدستور؟.