تشهد مكاتب المخاتير والأمن العام في مدينة صيدا حركة لافتة من اللاجئين الفلسطينيين، فاقدي الأوراق الثبوتية، للتقدم بطلبات للحصول على بطاقة تعريف مؤقتة بناءً على الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه لجنة الحوار اللبناني ـــ الفلسطيني والحكومة اللبنانية. القرار الذي يرفع ظلماً امتد عقوداً، يطال نحو 2500 لاجئ فلسطيني مسجل في ممثلية منظمة التحرير
خالد الغربي
تغيّرت تعابير وجه سالم عوض (23 عاماً) عندما أمسك بين يديه أوراقاً ثبوتية تعرّف عنه وعن ابنته راما (7 أشهر). حتى اللحظة الأخيرة لم يصدّق الشاب الفلسطيني أنه سيحمل فعلاً ورقة رسمية تثبت هويته وتتيح له التنقل بحرية. ورغم سعادته الغامرة وهو يعيد مراراً قراءة اسمه، راح يكرّر: «ياربّ تمّمها معي بالخير وريّحني، أنا عايش الآن وما حدا معترف بوجودي»، في انتظار الحصول على بطاقة تعريف مؤقتة من الأمن العام اللبناني.
ولد سالم عوض في تونس، ودخل لبنان مع ذويه طفلاً من دون أن يتاح له الحصول على ما يثبت هويته. حالته واحدة من حالات آلاف اللاجئين «فاقدي الأوراق الثبوتية» الذين دخلوا لبنان بالتواتر منذ ما بعد نكسة 1967 وأحداث أيلول الأسود في الأردن، وغيرها... لكنهم لا يملكون الأوراق التي تثبت أنهم لاجئون وهم من خارج الفئة الفلسطينية المعترف بوجودها لبنانياً.
فقدان الشخصية الكيانية والقانونية لهؤلاء يعرّضهم غالباً للملاحقة القانونية، ويعطّل حياتهم الإنسانية، فمعظمهم لا يستطيع التنقل أو العمل وحتى إكمال الدراسة الجامعية مع معوقات أساسية تحول دون الزواج «الرسمي» (كان يجري تجاوز هذه المسألة بعقد قران بناءً على بطاقة الزوج الحزبية في حال انتمائه لأحد الفصائل). ويأتي الاتفاق الأخير بين لجنة الحوار اللبناني ـــ الفلسطيني والحكومة اللبنانية، لمنح فاقدي الأوراق الثبوتية بطاقات تعريف صادرة عن الأمن العام اللبناني ليتيح لهم العيش في لبنان من دون التعرّض لملاحقة قانونية، لينهي عذابات هؤلاء و«يُعترَف بنا كبشر أولاً» كما تعبّر سيدة كانت تنجز معاملاتها.
ويشير قنصل فلسطين في لبنان محمود الأسدي إلى الآلية التي يجري وفقها العمل: «اتفقنا على توفير بطاقة تعريف من منظمة التحرير الفلسطينية، بالتعاون مع الأمن العام اللبناني، وذلك بعد تقدّم صاحب العلاقة بـ«مستند وقوعات للفلسطينيين دون أوراق ثبوتية» مع إفادة سكن من المختار إلى الأمن العام اللبناني، وتلي هذه الخطوة دراسة للتأكد من هؤلاء الأشخاص وحقهم في الحصول على البطاقة، ثم يمنح بطاقة تعريف مؤقتة».
ويقول الأسدي إن ما تم التوصل إليه هو «بفعل اتصالات ومشاورات وقناعات مشتركة بين المسؤولين في ممثلية المنظمة في بيروت والسلطات السياسية والأمنية اللبنانية»، وذلك بهدف تسوية الوضع القانوني لآلاف الفلسطينيين في لبنان وتسهيل حياتهم، ورفع الظلم عنهم. ويشير إلى أن معظم فاقدي الأوراق الثبوتية ولدوا في لبنان «كان عددهم كبيراً في وقت سابق، لكنه انخفض الآن بعدما رحل عدد كبير منهم الى الأردن ومصر»، موضحاً أن العدد المسجّل لدى ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية يقارب 2500 فلسطيني «وقد يتضاعف الآن، لأن كثيرين لم يعلنوا عن أنفسهم خوفاً من التحرّك».
ومنذ الإعلان عن هذا الاتفاق، تشهد مكاتب المخاتير والأمن العام في مدينة صيدا، كون العدد الأكبر من فاقدي الأوراق الثبوتية يقيم في مخيماتها، حركة لافتة لتقديم الطلبات. ويتأبّط المختار محمد البعاصيري المئات من نسخ الأوراق وإفادات السكن التي طلبها فاقدو الأوراق الثبوتية، ويحصلون عليها بناءً على شهادة إثبات جنسية صادرة عن ممثلية مظمة التحرير الفلسطينية، وبناءً على تدقيق من المختار. وبعد الحصول على إفادة سكن، يتوجه المعني إلى ممثلية المنظمة ويحصل على «مستند وقوعات للفلسطينيين دون أوراق ثبوتية»، ثم ترفق هذه الآليات المعتمدة بصور شخصية، ويقدّمها طالب البطاقة شخصياً إلى الأمن العام الذي، وفقاً لما أفاد به كثر، يمنح المتقدّمين وصلاً ويطلب منهم مراجعة مكاتبه، فيما قال آخرون إنه طلب منهم المراجعة بعد شهر.
وكان العديد من الهيئات والمنظمات القانونية والمجلس الدانمركي للاجئينDanish refugee council قد أثار مراراً هذه القضية الإنسانية وضرورة معالجتها في الإطار الذي يحمي الكرامة الإنسانية، كما أن مخيم عين الحلوة شهد تحركات عدة لفئة فاقدي الأوراق الثبوتية من أجل المطالبة بوضع حد لمعاناتهم.
وتكمن مشكلة هؤلاء بعدم امتلاكهم هوية ثبوتية تؤكد انتماءهم، وهم من الذين وصلوا إلى لبنان على دفعات، وتزوجوا فيه، لكنهم لم يسجّلوا في دوائر اللاجئين في وزارة الداخلية ولا لدى وكالة «الأنروا»، ما يفقدهم جميع الحقوق المترتبة على الاعتراف القانوني بهم، ومن بين هؤلاء فلسطينيون يحملون أوراقاً ثبوتية مصرية وأردنية منتهية صلاحيتها ولا يستطيع أصحابها العودة، أو فلسطينيون طردتهم إسرائيل.
يقول يونس يوسف سلمان إن جنسيته الأردنية احترقت إثر الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، ومنذ ذلك الوقت لا يملك أي مستند ولم يستطع الحصول على أية وثيقة ثبوتية. ويروي فايز النجار، الذي ليس لديه أيّ أوراق ثبوتية، أنه أب لأربعة عشر ولداً يوقَفون في كثير من الأحيان عندما يغادرون المخيم لأنهم لا يملكون ما يثبتون به وضعهم القانوني، ويتوقع الرجلان أن ينهي القرار الأخير معاناة أرّقتهما زمناً.
هذا ما يؤكد عليه عضو حملة الدفاع عن فاقدي الأوراق الثبوتية عصام الحلبي في حديثه عن أهمية هذا القرار «الذي يعيد الاعتبار للمعنيين به ويحلّ مشكلات اجتماعية وقانونية كانت ترتب عليهم فقدانهم الحياة الإنسانية». مشيراً إلى أن عدد الموقوفين سابقاً من فاقدي الأوراق الثبوتية بلغ أكثر من 350 شخصاً، ويمنع أكثر من 200 طالب وطالبة من الحضور إلى مدارسهم وجامعاتهم في صيدا وحدها.