رنا حايكبدأ لبنان يفقد شيئاً فشيئاً ما يُسمى «ميزته التفاضلية» بالنسبة إلى البلدان العربية الأخرى: أسلوب حياة رغيدة يوفّره مناخ الحريات الذي يتمتّع به هذا البلد مقارنة بالبلدان العربية والإسلامية الأخرى. فلطالما حسَدَنا الأصدقاء المصريّون بسبب قدرتنا على تناول كأس بسعر مقبول. أو بتعبير آخر، إننا بـ«أضعف الإيمان»، وفي حالات الإفلاس، نتمتع بالقدرة على شراء زجاجة من البيرة المحلية وتناولها على شاطئ البحر من دون أن يهدّدنا شبح التهمة التي تحكم حياتهم: «السّكر البيّن». ففي مصر، تشرب البيرة فقط في النوادي المرخّص لها، ويتضاعف ثمنها بسبب ارتفاع قيمة الضريبة عليها وعلى رخص بيع الخمور عموماً.
فإذا أفلست، فلن تشرب الكحول... أما في لبنان، فقد ظلّ ذلك متاحاً حتى بعد أن قفزت الأسعار قفزة هائلة، ولم تعد كأس الكحول، «المضروبة» في الأغلب، في متناول الجميع، وخصوصاً مع اقتراب نهاية الشهر... فبالإضافة إلى زجاجة البيرة المحلية المتاح شربها على الكورنيش أو في أي مكان عام، أصبحت كأس الخمر الثقيل أيضاً متاحة، وبربع السعر الذي تُباع به في النوادي الليلية والحانات. أترغب في تناول كأسٍ من الويسكي النّظيف بألف وخمسمئة ليرة؟ أو كأس من الفودكا أو الجين؟ ليس عليك سوى التوجه نحو مستديرة الكولا، على أطراف «مخيّم التّنك» المثقل بفقره، حيث يستقبلك فراس في دكّانه «أحلى عالم»، واعداً إياك بأنهار الخمر التي لا تنضب ولا تنضب جيبك، تحت شعار:«اشراب ولا يهمّك، فراس بيلمّك». أمام الدكان، ستجد زمرة من الشباب «غير البريء»، لن يتعرّضون لك حتى لو كنت فتاة، لكن مجرّد التمامهم تحت ذلك الشعار سيمنعك من الاقتراب. أما إذا كنت شاباً، فـ«اطحاش» لكن بـ«أدب»، دون أن تستفزّ أحداً من الموجودين. بعضهم يأتي بسيارته يتناول الكأس ويمضي، والبعض الآخر يشتري الكأس ويفترش الدرجات والمساحة الواسعة أمام المحل ليتناولها على الطريق العام تحت شجيرة توهم بالسّتر..
ليس هذا المقال دعوة إلى السّكر، بل هو مجرّد إضاءة على ظاهرة جاءت ردّاً على مبالغة أصحاب الحانات في تثمين كؤوسهم من الخمر الذي يسبب أوجاع معدة وصداعاً في اليوم التالي لتناوله!