إيلي شلهوبلعلّ برويز مشرف يجلس الآن على أريكته المفضّلة في مقر إقامته الحالي في روالبندي يستعرض شريط أحداث الأشهر والسنوات الماضية وفي حلقه غصّة. يرثي الحال التي آل إليها ويستنجد بالتاريخ لأن يُنصفه.
لا بد أنه يستعيد «الإنجازات» التي حققها لبلاده: إمرار قطوع 11 أيلول 2001 وما تلاه، وسياسة المصالحة مع الهند وتعزيز القوات المسلحة لمواجهتها، ومكافحة الفساد، وتحفيز النمو الاقتصادي... لكنه يدرك تماماً أنه سار بباكستان إلى حيث لا تشتهي لا قاعدته الشعبية ولا حاضنته العسكرية: الاصطفاف خلف الولايات المتحدة في «حربها على الإسلام»، وإن كان مقتنعاً بأنه فعل ذلك مجبراً وبالحد الأدنى من الخسائر، مع محاولة استغلالها لتعزيز المصالح الاستراتيجية لإسلام آباد، وخاصة الجيش العزيز على قلبه.
ولا شك في أنه عاتب على حليفه الأميركي وعلى خلفه في رئاسة الأركان اشفاق كياني. لكنه يغفر لهما، على الأرجح، تخليهما عنه: يدرك أن واشنطن سعت جاهدة لإخراجه من الأزمة التي عصفت بالبلاد قبيل الانتخابات الرئاسية، وضغطت باتجاه مساكنة بينه وبين العائدين الجدد أفشلتها عداوات الماضي واغتيال بنازير بوتو. لكنه يعلم أن الشلل المؤسساتي الذي أصاب باكستان عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة أضاع مرجعية القرار ولم يترك لواشنطن سوى خيار وحيد: الخروج من حالة الستاتيكو في بلد محوري بالنسبة إليها لجهة احتضانه «الجنات الآمنة للإرهاب» و«الترسانة النووية الإسلامية». وهو يعرف أيضاً أن الأزمة نفسها أدخلت الجيش في دوّامة أفقدته هيبته واحترام الشارع له، ولم تترك لكياني سوى خيار واحد: العودة إلى الثُّكن ورفع شعار «الحياد».
لكنه يتحسّر على ما يستشرفه من مستقبل مضطرب ومظلم لباكستان. يُدرك أن الحاكمين الجديدين، نواز شريف وآصف زراداري، لا يجمعهما سوى العداء له وللمؤسسة العسكرية وشغفهما بالفساد حتى الثمالة. يعلم أن الأول يشاركه قاعدته الشعبية (الإسلامية) ونهجه في التعامل مع منطقة القبائل، خلافاً للثاني الذي يبدو المفضل لدى واشنطن. يخشى صراعهما وتداعياته عليه وعلى البلاد.
يُغمض عينيه قليلاً وترتسم ابتسامة على ثغره؛ يتذكر أن رفاقه الجنرالات لا يزالون في الخدمة.