هاني نعيمهي تكره الحداثة. أخبرتني بذلك مراراً، ولا تتوقّف عن ممارسة هذه «الهواجس» طوال تجرّعنا للمياه الكحوليّة.
وأيضاً، هي نباتيّة، لا تحب آكلي اللحوم حتّى. وتبرر بالقول إنّ اكل اللحوم شكل من أشكال الحداثة.
بعد لحظة، تتوّقف عن رمي الأسود في عينيّ. تلطّف الأجواء بالحديث عن الأحلام. لمَ لا؟ وخصوصاً إن كانت ذات طابع زهري.
تأخذ جرعة كحوليّة، وتروي. «أريد في المستقبل أن يكون لديّ بيت، ليس صغيراً أو كبيراً. أريدُ بيتاً عاديّاً، وأمامه حديقة تتّسع لبقرة على الأقل، مع فسحة للزراعة البدائيّة. هكذا، أحيا باقتناعاتي. أحلب البقرة، وأزرع. أتعرف؟ بذلك لا أدفع ضريبة. لن أتأثّر بموجة الغلاء العالمي، وأزمة الليبراليّة. وأكثر، أمارس كرهي للحداثة».
لم أبادرها بأدنى فكرة. كنتُ مستمعاً. بغض النظر عن أحلامها، كنتُ متفائلاً بكميّة قليلة. فما زال بيننا، كشباب، من يحمل حلماً، ولو كان «معادياً للحداثة».
حاولت ممارسة «الإسقاط» لما قالته على أفكاري. هل أنا معادٍ للحداثة؟ متماهٍ معها؟ على هامشها؟ متضرر منها؟ أم ماذا؟ وهل إن كنت من المعادين لها، فسأقوم بمشاركة الحلم مع صديقتي؟ أم أنّي أرفض ذلك، وأُعدّ العدّة لهزيمة الحداثة؟ وكيف؟
أكثر ما قد يدفعني لكره الحداثة هو قدرتها على إفقاد القدرة الشرائية، لي ولأمثالي (وهم الأغلبيّة، على فكرة). أضف إلى ذلك، قدرتها على تحويلي، وأمثالي، إلى مجرّد كائنات مستهلَكة، مستهلكة لا قدرة لها على رفض سلعها الكماليّة (جدّاً) حتّى. كأنّ هذه السلع باتت أساسيّة، وأجدادنا كانوا يستخدمونها منذ القدم، لدرجة أننا نسأل أنفسنا: «كيف كانوا يعيشون منذ زمان دون فايسبوك؟» أو حتّى «معقول لم يكن مقهى القرية يقدّم خدمة الـwireless للزبائن؟»... أسئلة وأسئلة تُطرح كهواجس نفسيّة صعبة!
لا أعرف إن كنتُ أصنَّف بدائياً. شكلي يدلّ على ذلك على الأقل. ولكن أي سلوك ممكن ممارسته للتقليل من تدخّل الحداثة «الخانقة» بهوائها الأسود في تفاصيل حياتنا؟