حسين مروةفي ذكرى تغييبك الثلاثين سيدي موسى الصدر، يا أيها الإمام المظلوم ظلم الحسين في زمانه، تتعالى صيحات البروز على حساب قضيتك كلما لاح في الأفق أفول بريق منصب، أو ولادة آخر. حين تشتد دوامة الصراع على وقع سطوع نجوم الوجاهة، تتلاشى حقيقة إخفائك دون أن تتعالى صيحات جادة لتعبيد طريق حريتك.
تغيب وتغيب يا سماحة الإمام وتحضر في مناسبة أسرك سويعات تختزل فيها كل تضحياتك على منبر نُصب خصيصاً من كل عام لجلد الذات.
لكنك تمضي. وتمضي الحشود وتسكن الساحات، وما تلبث أن تعود سنة أخرى من سنين الانتظار الطويلة لتغيب مجدداً كي تبقى سراً صنعه صغير من الصغار، ممن لا يعومون إلا على حد السيف الذي يقطر دماً أو ضرب الأوطان بالأوطان.
فإلى متى تبقى سيدي أسيراً بعدما سُلخ أبناؤك وتلامذتك من براثم الأعداء سلخاً فانضموا إلى أحضان الوطن جبالاً شامخة بهامات أبطال؟ يا أسير عجزنا وعجز إرادة العقلاء في هذا الزمان. متى تعود إلينا مكللاً بأكاليل ما تستحق من فخار وغار؟
إلى متى سيبقى يأسرنا الحزن على من لا ينتظر منا أحزاناً مطعمة بالشكوى والرجاء؟ بل يا من ينتظر منا أن نبادله الوفاء بالوفاء، إلى متى يستبقونك سيدي شعاراً يُتغنى به عند الحاجة في دواوين العاجزين الكبار؟ يثقلونك في المناسبات نثراً وشعراً مقفى، يحسبه السامع ترتيل مصحف، أو تجويد قرآن.
لا يا من تزرعون الماء وتحرثون الدخان، كفى بالله عليكم، فهذا الجبل لا يطمره سيل ولا طوفان. هذا جبل من جبال الأرز الشامخة في الأعالي. فأين أنتم من أولئك الرجال؟ كاد القرآن والإنجيل يذكرانه. قبّح الله كل غادر ترصّده. أكان في مشرق أم مغرب. أم حفنة من العربان. ماذا نقول لك يا من كنت أشد الناس علينا حرصاً، ويا من كنت باذلاً دمك. جبّتك وعباءتك من أجل عزة الإنسان، وأنت الإنسان الذي أحب لبنان!
ضحيت من أجل الوطن فتكالبت عليك أمم ممن يسمون أنفسهم حكاماً شهاماً. لا همّ لهم ولا عمل إلا أن تعلو عروشهم بلا اسم ولا لون. ولا حتى لها أوزان. ليتها تنطق، هي أوكار ليس إلا.
تفوح منها خِسّة أفعال اللئام. يا سيدي لا تحزن، وأنت الذي علّمتنا أن لا نستسلم للأحزان. وأنت الذي علّمتنا كيف تُغسل عيوننا من غشاوات ا ثلاثون عاماً لا ندري عنك وعن أحباء رافقوك في رحلة لفّها ظلام حالك حاكها من يجهل كرامة الإنسان! حاكها من لا يقيم احتراماً لمن صنع للأجيال صروح عز في تضحية لا تموت.
كنت تدرك سيدي أيها الإمام الشامخ أن خفافيش الظلام تترصدك. لكنك مضيت. مضيت ولم تدرك أن الظلم سيتجاوز كل ما ليس في الحسبان. مضيت ولم تدرك أننا والجلاد سواء. في الصمت نشارك. في الهمس نبحث عن المجد لكننا نفتقد العنوان!
صراخنا باهت كالغيوم التي لا يُرجى منها مطر، وبرقها لا يبهر الأبصار، ورعدها لا يخيف سكون البراري. ولا هيبة لها ولا صدى، لكنك تدرك سيدي أن الظلم واحد. وتدرك أن الحسين ظُلم، وتدرك أنك لست الحسين. لك الله سيدي، أبعدوك عنا عنوة، ولا ندري إن كان سفراً ذا عودة، أو لحداً كُفّن بأسرار.
أفي وادٍ، أم في باطن جبل، أم بيداء ذات كثبان؟ لكننا متى أدركنا أنك حي يُرزق نعلم حينها أننا كنا أمواتاً حيارى. وإن كنت شهيداً فالله علينا شاهد، ومثلك بيد الأوغاد لا يوارى. والله يفعل ما يشاء، لكننا نحن من لا يشاء!
فالوالي بابه يعلو كل الأبواب. والرجاء لم يعد مألوفاً. والعذر شرعت له ألف بابا وباب. لكنك تعلم سيدي أن المجد لا يرتجى بالشعر وحده.
إن المجد قلم وسيف وقنطار أحرار.