هيثم خزعليجتمع العلم مع العمل ليصنع من بعض الطلاب نموذجاً في العصامية. يغطي ما يحصّلونه من عملهم نفقات الدراسة والمصاريف الشخصية، ويزيد ليُسهم قسم منه في مساعدة عائلاتهم. في وطأة دهم استحقاق امتحان آخر السنة، كيف يقسم هؤلاء الطلاب وقتهم بين الدرس والعمل؟
يتحضر علي (23 عاماً) لخوض الامتحان الرسمي في الإلكترونيك. الطالب في معهد بئر حسن الرسمي، يعمل في إحدى شركات الصيانة في بيروت من الثامنة صباحاً حتى الخامسة من بعد الظهر. أجبر دوام العمل التلميذ على التغيب عن المحاضرات طوال العام الدراسي. «كنتُ أعلم أنّ فاتورة التغيّب عن الحضور ستُسدّد نهاية العام، لكن عائلتي تحتاج إلى مساعدتي». يذكر أنّ علي يقتسم راتبه (300 دولار) مناصفة بينه وبين عائلته.
يعتمد علي في استعداده للاستحقاق على رفاق الصف الذين لا يتردّدون في مساعدته وإفهامه ما فاته من دروس. تعقد جلسات التدريس اليومية في منزل أحد الأصحاب من الثامنة مساءً حتى الحادية عشرة ليلاً. وينتقل الأصحاب من منزل إلى آخر بحسب توافر الكهرباء «أينما تتوافر الكهرباء نجتمع». يجهد علي في جمع ما فاته من دروس عبر تصوير الأوراق من رفاقه. يرتّب الأوراق بعد عودته إلى المنزل ليلاً ليعيد قراءتها منفرداً حتى ساعات متأخرة من الليل، وكثيراً ما يغالبه النعاس فلا يجد مفراً من ارتشاف مزيد من فناجين القهوة. يحلم علي بالنجاح، كما يتمنى أن تنقضي الامتحانات حتى يحظى بقسط وافر من النوم.
أما ميرا (22 عاماً) فقد اعتادت هذا الواقع. فالطالبة في السنة الرابعة رياضيات في الجامعة اللبنانية تعطي دروساً خصوصية منذ سنتها الجامعية الأولى «لولا عملي لما استطعت إتمام دراستي». تنطلق ميرا من منزلها في الثانية من بعد الظهر لتجول على تلامذتها الخمسة في منازلهم المنتشرة في أحياء مختلفة من ضاحية بيروت الجنوبية. تعود الفتاة إلى منزلها في التاسعة مساءً. وتتوزع أوقات الدرس بين ثلاث ساعات صباحاً ومثيلاتها مساءً، إذا توافرت الكهرباء. أما إذا كان التيار الكهربائي مقطوعاً، فتضطر ميرا لأن تستيقظ في السابعة صباحاً لتعوّض ما فاتها مساءً. وكان عمل الفتاة بعد الظهر قد سمح لها بحضور معظم المحاضرات، ولم يفتها إلاّ القليل. يسهم عمل ميرا في مساعدة عائلتها، وهي تتمنى لو أنّ وقتها يتيح لها إعطاء مزيد من الدروس الخصوصية. تتمنى الفتاة أن تنتهي الامتحانات، وهي لا تبالي بالنتيجة، لكنها تود الإقلاع عن تناول المهدئات المفرط بسبب الضغط النفسي الهائل الذي تتعرض له.
تختصر حالة علي وميرا حالات كثيرة مماثلة لطلاب يضطرون للعمل إلى جانب الدراسة، حتى في أكثر اللحظات حرجاً وهي لحظة امتحان آخر السنة. يحارب هؤلاء الطلاب على جبهات ثلاث: واحدة مع محور الكتب وأخرى مع محور الوقت وثالثة مع محور التيار الكهربائي ذي النكهة اللبنانية الخاصة.