عامان مرّا على حرب تموز... ولا يزال الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية يسجلان آثار تلك الحرب، في مستشفى النبطية ومراكز صحية أخرى يتخوّف أطباء من تكرر حالات تشوّه الأجنّة، ومن ازدياد نسب المصابين ببعض الأمراض السرطانية... والسلطة اللبنانية لا تعير الأمر الاهتمام اللازم
حلا ماضي
يلاحظ أطباء في الجنوب ومناطق لبنانية أخرى أموراً لم يعهدوها قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. رئيس مجلس الإدارة ـــ المدير العام في مستشفى النبطية الحكومي، الدكتور حسن وزني يقول «رغم أن أمراض السرطان منتشرة دائماً وفي كل مستشفى لبناني، إلا أنني ألاحظ ازدياداً غريباً في حالات الإصابة بالأمراص السرطانية، وخاصة أورام الدم لدى الأطفال، والغدد اللمفاوية، فيكاد لا يخلو طابق في المستشفى من وجود حالة سرطانية»، ويتحدث وزني عن «تزايد كبير في حالات تشوّه الأجنّة، وخاصة في الفم والأنف، منذ عام 2006».
وفي هذا الإطار، يشير رئيس جمعية الدم والأورام السرطانية لدى الأطفال في لبنان الدكتور حسن خليفة إلى أن نسبة تزايد حالات سرطانات الدم لدى الأطفال في لبنان أصبحت ظاهرة لا يمكن غضّ النظر عنها، وخاصة خلال السنوات الأخيرة، وفي لبنان 250 حالة سرطانية لدى الأطفال سنوياً. لا يستبعد خليفة التأثير المباشر للأسلحة التي استُعملت خلال حرب تموز الأخيرة على لبنان، لكن ذلك لا يلغي وجود عوامل أخرى كالتلوّث البيئي والنظام الغذائي... ومن خلال معاينتها لمرضاها في ضاحية بيروت الجنوبية، لاحظت الطبيبة هدى كرم ظهور أمراض جلدية عند العديد من الأشخاص، وهي حالات تشبه إلى حد بعيد «الأكزيما» ، وقد ظهرت بعد حرب تموز».
لا تزال الحالات التي أشرنا إليها خارج إطار أيّ تصنيف بحثي رسمي. الدكتور محمد قبيسي، المتخصص في الفيزياء النووية وعضو مجلس البحوث العلمية، يقول: «ما نلاحظه بسبب الأسلحة السامة التي استخدمتها إسرائيل ضد اللبنانيين وبشكل خاص اليورانيوم».ويلفت قبيسي إلى أنه أجرى فحوصاً مخبرية بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية في بريطانيا، حيث تمّ أخذ عيّنات من خمسة عشر شخصاً كانوا قريبين من إحدى البنايات التي دُمّرت في الضاحية الجنوبية، فتبيّن أن اليورانيوم موجود لدى أربعة منهم بنسبة تفوق المعدل الطبيعي.
ويشير إلى أن «غبار اليورانيوم الذي تنشّقه القريبون من بعض المباني المدمرة يدخل جسم الإنسان، وتخرج مع الأيام كمية منه ويبقى جزء منه في الدم، وهذا ما يسبب الأورام السرطانية، فحفنة من اليورانيوم تحتوي على مليون ذرّة مُشعّة». تلك الإشعاعات عندما تنتشر داخل الجسم تضرب الخلايا فتشوّهها، وتصيب الحمض النووي، وهذا ما يفسّر تزايد نسبة تشوّه الأجنّة».
يؤكد قبيسي أن تقريراً أجرته إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة خلص إلى وجود اليورانيوم في بعض المناطق التي تعرّضت للقصف الإسرائيلي، ولكن التقرير لم يُنشر.
وزارة الصحة أصدرت كُتيبات توجيهية للحد من آثار الصدمات الاجتماعية والنفسية، وقد وقّعت اتفاقاً مع جمعيات متخصصة في العلاج النفسي لدى الأطفال. وفي هذا الإطار، يشير مدير الوقاية الصحية في الوزارة الدكتور أسعد خوري إلى أن الوزارة تنظّم دائماً حملات توعية وإرشاد، ونفى علم الوزارة بوجود الأمراض التي تحدث عنها الأطباء، ورأى أن وجود الأمراض أمر يتكرر في لبنان. أما في ما يتعلق بالحديث عن وجود اليورانيوم في بعض المناطق اللبنانية التي تعرّضت للقصف، فقد نفى خوري ذلك الموضوع، مستنداً إلى الأبحاث التي أجراها معهد البحوث العلمية في لبنان بالتعاون مع خبراء فرنسيين، وقد أشار إلى عدم وجود اليورانيوم في الصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي قُصف بها لبنان خلال العدوان. ورأى خوري أن الحديث عن وجود اليورانيوم في بعض المناطق وخاصة في الخيام أمر طبيعي نظراً لوجود أحد معامل الحجارة في المنطقة.
وأشارت السيدة نهال حمصي من منظمة الصحة العالمية في لبنان إلى أن المنظمة تتصرف بناءً على الأبحاث والدراسات التي قام بها معهد البحوث العلمية بالتعاون مع وزارة الصحة، والتي أشارت إلى عدم وجود اليورانيوم في لبنان.
الدكتورة ندى غصن، رئيسة وحدة الترصد الوبائي، قالت لـ«الأخبار» إن الأمراض المذكورة تحتاج إلى وقت ليتبين ما إذا كانت حالات فردية أم ظاهرة ناتجة من حرب تموز، ولكنها قالت إن الأمراض السرطانية تتأثر عادة بالعوامل البيئية المحيطة بالإنسان، وإن لاحظت ارتفاعاً في الاضطرابات النفسية.
أكدت أن الوزارة لا تملك حالياً إحصاءات عن المرحلة الواقعة بين عامي 2005ــــ2007، وأن التقرير عن هذه المرحلة لا يمكن أن يصدر قبل عام 2009. وأشارت إلى أن السجل الوطني في وزارة الصحة لم يلحظ وجود تشوّهات لدى الأجنة والحالات التي يتحدث عنها الأطباء. وهنا يجدر السؤال عن غياب هذه الحالات من السجل الرسمي، فيما يلحظها مدير مستشفى النبطية الحكومي، وأطباء عاملون في مؤسسات صحية رسمية. من هنا تبدو أهمية الدعوة التي أطلقها الدكتور وزني لإجراء أبحاث سريعة أبحاث ودراسات حول الحالات الجديدة التي تحيّر الأطباء في الجنوب.