نال أبناء القرى السبع الجنسية اللبنانية في المرسوم الشهير الذي صدر عام 1994. أما من كان دون الخامسة عشرة من عمره، ولم يكن ولي أمره موجوداً، فبقي يحمل هوية لاجئ فلسطيني، ولا أمل له سوى إنصاف القضاء
منى برجاوي

لم تعلم رنا ماذا عليها أن تكتب في خانة الجنسية عندما حضّرت سيرتها الذاتية التي أرادت تقديمها لتنال وظيفة، بعدما تخرّجت من الجامعة. فوالداها لبنانيان قيودهما في بيروت، أمّا هي فلاجئة فلسطينية.
تعود جذور مشكلة رنا إلى عام 1948، عندما احتل الصّهاينة قريتها هونين، استناداً إلى اتّفاقيّة «بولن نيوكامب» بين بريطانيا وفرنسا، التي اقتُطعت بموجبها سبع قرى (صلحا، قَدَس، هونين، المالكية، النبي يوشَع، إبل القمح، تَبريخا) من لبنان وأُلحِقَت بفلسطين، مما أدى إلى حرمان أهلها الجنسية اللبنانية، بعد تدمير منازلهم وتهجيرهم. من هنا، اختلفت قوانين الأحوال الشخصية في تحديد ما إذا كان هؤلاء لبنانيين مُهجَّرين من قراهم أو فلسطينيين.
وظلّ أهالي القرى السّبع يحملون بطاقات قيد الدرس، حتّى جاء ملحق التجنيس الشهير عام 1994، الذي أعطى الهويّة اللبنانية تلقائيّاً لمن هم فوق الخامسة عشرة منهم، واشترط وجود أولياء أمور من هم دون هذه السن للحصول على تلك الهويّة. ولم يراعِ المرسوم حالات وفاة أولياء الأمر أو مرضهم أو سفرهم، ممّا أدّى إلى واقع يتمثّل في وجود عائلات من القرى السّبع يحمل بعض أفرادها الهويّة اللبنانية والبعض الآخر بطاقات لاجئين فلسطينيين.
مختار الباشورة كمال شحرور، وهو ابن إحدى هذه القرى، قال لـ«الأخبار» إن «أغلبيّة أهالي القرى السبع نالوا الجنسية اللبنانية في ملحق التّجنيس ولكن عدداً ضئيلاً لم ينل هذه الجنسية بسبب ظروفهم»، لكن من دون وجود إحصاء دقيق للفئة الأخيرة.
من ناحية أخرى، ذكر المحامي مصطفى شقير لـ«الأخبار» أن أبناء القرى السبع غير الحائزين الجنسية اللبنانية يعانون المشاكل الإدارية والقانونية ذاتها التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون، حيث إنّه لا يمكنهم الاستفادة من المعونة القضائية أو من الضمان الاجتماعي. وذكر شقير قضية حسن برجاوي الذي لم يستطع استصدار جواز سفر لبناني، فاستحصل على جواز سفر كلاجئ فلسطيني في لبنان، رغم أن والديه لبنانيان. أمّا هدى شحادة، فلم تتمكّن من دخول نقابة المحامين، لأن والدها كان مسافراً عند صدور مرسوم التجنيس.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أورد في المادة الخامسة عشرة منه أن لكل إنسان الحق بالتمتّع بجنسيته وعدم حرمانه إيّاها تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها، وهو الإعلان الذي أكّد الدستور اللبناني احترامه.
مصادر مطلعة أكّدت «استحالة» صدور مرسوم عن مجلس الوزراء يمنح هؤلاء الجنسية اللبنانية، وخاصة بعد قرار مجلس شورى الدولة الذي طلب يوم 7/5/2003 من وزارة الداخلية إعادة النظر في مرسوم عام 1994. ولذلك، لا يبقى أمام رنا ومن يعانون مشكلتها سوى اللجوء إلى القضاء، على أمل أن يلقوا المعاملة ذاتها التي لقيها غيرهم ممن منحتهم محاكم عدة الجنسية اللبنانية، ومن آخرهم إيلي رومانوس الذي كانت عائلته قد حصلت على الجنسية في مرسوم عام 1994، فيما بقي هو مكتوم القيد. وقد أصدرت محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، الغرفة الثالثة في جديدة المتن، المؤلفة من الرئيس جون القزي والقاضيين آلاء الخطيب وناجي الدحداح، يوم 22/5/2008 حكماً منحت رومانوس بموجبه الجنسية اللبنانية.