في 11 تموز الجاري، توافر «آي فون» بشكله الجديد في السوق الأميركي و21 سوقاً آخرين، قبل أن ينتشر في سبعين بلداً منها اليابان والهند والبرازيل، قبل نهاية العام الجاري... في لبنان لم تُعقد اتفاقية بين شركة «آبل» المنتجة له والشركتين المشغّلتين للخلوي محلّياً، ولكن البعض يلجأ إلى «القرصنة» لتشغيله

غسان رزق
دخل الخلوي «آي فون» iPhone، مطلع حزيران الماضي، إلى هيئة جديدة في تحوّلاته على يد مكتشفه ستيف جوبز. فقد عدّل اسمه قليلاً، ليضع صفة «3 جي» في آخره ويزيد سرعته في إنزال المعلومات من شبكات الخلوي من نوع «3 جي» المتطور التي تتصل مع الإنترنت ومواقعها أيضاً. وباتت سرعة «آي فون» مساوية لشبكات «واي فاي» اللاسلكية. ففي عرض مشوّق في مؤتمر ضم نحو 5000 اختصاصي معلوماتي، استطاع جوبز إنزال صورة ضخمة الحجم ومعقّدة التركيب من موقع «ناشيونال جيوغرافيك» في 21 ثانية!
في سياق التحوّل الجديد، أُضيفت إلى «آي فون» تقنية الاتصال مع «نظام تحديد المواقع العالمي» («جي بي أس» GPS) المعتمد على الأقمار الاصطناعية. تستجيب هذه الإضافة لرؤية عبّر عنها «منتدى دافوس» في دورته الأخيرة، حيث الخلوي الذي يربط الأفراد بنظام «جي بي أس» هو العنصر الأساسي في رسم الصورة الجديدة للمستهلك، إنها استجابة للمركز الذي يقود العولمة بمفاهيمها ومصالحها الأميركية.
«التحوّل» الآخر في مسار «آي فون» يتمثل بخفض سعره ليتراوح بين مئتين وأربعمائة دولار. بذلك أنجز جوبز تبديلاً للتقرّب من جيل الشباب الذي يروقه هذا الخلوي بفعل «تقمّصه» الكثير من ملامح جهاز الموسيقى «آي بود».
التحولات التي يشهدها «آي فون» جزء من معركته ضد الهاتف النقّال الصيني «ميني وان» Mini One الذي أطلقته شركة «مييزو» Meizu الربيع الفائت، والذي يقلّ سعره عن خُمس ثمن «آي فون»! ورغم قساوة المعركة، إلّا أنها لا تلغي النجاح الكاسح لـ«آي فون». أي أرانب أخرجها المهندس المعلوماتي ستيف جوبز، مدير شركة «آبل» صانعة «آي فون»، من قبعة خبرته الطويلة في العوالم الرقمية، بحيث ضمن لـ«آي فون» منزلة عالية فور إطلاقه في الأسواق العالمية؟
يُمكن القول إن ثمة 3 عوامل في ذلك النجاح، أوّلها تركيز هذا الخلوي على الثقافة البصرية التي تراكم صعودها منذ زمن السينما. ويتلخص العنصر الثاني في ملاقاة «آي فون» لثقافة الأذن المعاصرة من خلال إدماج «آي بود» الذي يغترف من موقع «آي تيونز» iTunes للأغاني. ويأتي العنصر الثالث من احترام «آي فون» لمفهوم «المحلية» ومجتمعاتها وأمدائها الجغرافية وهوياتها، وذلك من خلال دمج الاتصال المعولم مع الشبكات المحلّية. وباختصار، الأرجح أنه نجاح أتى من لقاء العين والأذن وثقافتهما الشبابية الطابع راهناً، في مساحة التقاطع بين المعولم والمحلّي.
يفتتح «آي فون» على شاشة تعمل باللمس، تملؤها الأيقونات البصرية، التي تُذكّر بمشهدية شاشة الكمبيوتر وتقتبس منها. ويُدار عمل الخلوي باللمس المباشر لهذه الأيقونات، إضافة إلى استعمال مفتاح وحيد يتحرك في اتجاهات مختلفة ليساعد في أداء المهمات المتنوعة. لا شيء للقراءة، بل إنها الصور التي تقود المستخدم في تفاعله مع هذا الجهاز. فمثلاً ثمة أيقونة تُشغّل كاميرا رقمية تبلغ دقة صورها 2 ميغابيكسل. وتنقر الأصابع على أيقونات ألبومات الصور، فتنفتح تلقاءها وتبوح بصورها. وتتحرك الصور بملامسة الأصابع برقة للشاشة.
وعلى شاشة الأيقونات الرئيسة ركن مخصّص للصور التي ترشد إلى الآلات التي يحتويها هذا الجهاز. وتقدّم هذه الأيقونات الجهاز باعتباره شيئاً متعدداً في واحد.
تستعد شاشة «آي فون» لاستقبال زر صغير يعلن عن القدرة على الاتصال مع شبكات الخلوي، إضافة إلى التواصل مع الشبكات التي تعمل بتقنية «واي ماكس» Wi Mx. ومن المعروف أن لتلك الشبكات طابعاً محليّاً، وتستخدم موجات الراديو لنقل محتويات الإنترنت على نطاق لا يزيد على 35 كيلومتراً. والصحيح أيضاً أنها تدخل إلى الإنترنت مثل تقنيات الاتصال اللاسلكي الأخرى كالـ«واي فاي» Wi Fi. فقد أثبتت التجربة أن شبكات «واي ماكس» يمكن استعمالها لنقل محتويات «مصنوعة محلياً»، إضافة الى قدرتها على الدخول إلى الإنترنت العالمية. وبمعنى آخر، إذا وضعت مدرسة محلّية كتبها ومناهجها على خادم Server، فمن الممكن نقل تلك المحتويات إلى الطلبة الذين يسكنون على نطاق تغطية الـ«واي ماكس». مثال آخر، يمكن لفنان أن يصوّر فيلماً أو مسرحية، ثم يبثه إلى المجتمع المحلّي عبر شبكات «واي ماكس». ويُشبه ذلك الأمر المعطى المحلّي لأقنية «أف أم» في الراديو. ويضيف ذلك الأمر بُعداً محلّياً مهماً إلى خلوي «آي فون»، إضافة إلى كونه أداة الاتصالات المعولمة في الإنترنت والشبكات الخلوية. وفي سياق العولمة وتناقضاتها، تكتسب الهويات المحلية أهمية متزايدة، وخصوصاً في صراعاتها المتصلة للبقاء في وجه مطحنة العولمة الشرسة. وتتصل الهويات المحلّية مع مفهوم «العولمة العادلة» لأنها تحفظ التعدّد في الثقافة والهويات وأشكال الاجتماع الإنساني، فيما تحاول العولمة الشرسة فرض شكل وحيد، بثقافته وذوقه ونمطه، وعلى حساب تعدد الشعوب وحرياتها وحقوقها.