فايز فارسلقد عدتُ لأعود، عبارة قلتَها يا سمير القنطار في يومك الحرّ الأول على أرض لبنان. لبنان زمن البطولات والانتصارات، ولم يفقهها البعض إلا بعد استماعهم إلى كلمتك في عرينك وملعب طفولتك عبيه، القرية اللبنانيّة الوديعة، وإطلالتك البهيّة على قناة المنار، وحوارك مع أمك الفلسطينيّة بالتبنّي، وسردك بعض التفاصيل. فهل تدري يا سمير أنك أيقظت فينا، نحن معشر «القدامى»، ما خفتَ وبردَ وهدأ، وجعلت مشاعر الضعف والشكّ والقرف التي أصابتنا، بسبب نزاعات وطنية عبثية وخلافات طائفية عشائرية مدمّرة، تتراجع أمام ضمير يبدو أنه ما زال حيّاً، وعزيمة ما زالت قادرة على الحركة قولاً وفعلاً؟
والأهم من كلّ هذا وذاك أنك وضعتنا في حالة مراجعة للذات، واستذكار من خاض مثلك غمار العمل الفدائي المسلَّح، وبخاصة تلك المجموعات القتالية التي جرت تصفيتها خلال عشرين سنة في الفترة ما بين اتفاق القاهرة واتفاق الطائف، وبعدما أُدخلت غصباً عنها في أتون حرب سُمّيت مجاناً «أهلية».
وسيتكشف لك أن البقية الباقية منقسمة على ذاتها، بين رغبة صادقة بالعودة إلى ساحة النضال، أو الدخول في لعبة التأقلم والتعايش مع التناقضات القائمة، وفي غياب أفق واضح المعالم بسبب تدخلات خارجية مستفحلة.
هنيئاً لك حريتك وخروجك المظفّر من سجون العدو الإسرائيلي ومعتقلاته. وأهلاً وسهلاً بك ضيفاً عزيزاً مثلنا في سجن الوطن الكبير. إذ لم تتغيّر أوضاعنا إلا في الشكل، وبعض من مضمون ما زال يثقل كاهلنا ويتعب ضميرنا ويحيّر عقولنا. فحاسّة اللمس والاستماع المباشر والرؤية الفورية هي أقوى من حاسة السمع عبر الإذاعات وقنوات التلفاز وقراءة الصحف والمجلات. الصراع الدولي من أجل الإمساك بمستقبل شعوبنا والسيطرة على مقدراتها وثرواتها الطبيعية، ما زال قائماً على قدم أميركية وساق أوروبية وقبضة صهيونية، بين شرق أوسط صغير وشرق أوسط كبير وآخر أكبر، وبين بحر أبيض متوسط مسالم محايد، وعولمة عمياء رعناء بلهاء لا تفرّق بين إنسان وحيوان ونبات.
سنخاف عليك وعلى مرافقيك كخوفنا على حياة القائد الأمين أبو هادي. لأننا ندرك أن في جعبتك الكثير من الأفكار النيّرة والطروحات العملانية وليدة تأملات السجن الطويل الذي عادة يطهّر العقول والقلوب ويقوّي الإرادة ويشد العزيمة ويحفّز القرار.