علي سليمظهرت إلى العلن أخيراً المفاوضات السورية ـــ الإسرائيلية غير المباشرة برعاية تركية على أنها الخطوة الأولى نحو مفاوضات مباشرة، وبعدها معاهدة سلام بين الطرفين تنهي الصراع القائم بينهما، وتسقط آخر حصون الممانعة العربية على مستوى الأنظمة على الأقل. ولكن أسئلة كثيرة تطرح على أساس أنّ كل المعطيات كانت تشير إلى قرب المواجهة بين سوريا وإسرائيل بسبب مواقف الأولى والتحالف الاستراتيجي القائم بين دمشق وطهران.
أمّا السؤال الأبرز الذي يُطرَح فهو عن حقيقة هذه المفاوضات. إذ هي تمثّل نقيضاً كبيراً لتوجه النظام، على الأقل في هذه المرحلة. ثانياً كيف ستؤثر على علاقة دمشق بحلفائها في المنطقة؟
في الواقع، إنّ موافقة سوريا على المفاوضات هي خطوة إلى الأمام نحو المجتمع الدولي، فهي تسعى إلى إخراج نفسها من العزلة التي فرضت عليها منذ سنوات، وخاصة بعد اغتيال الرئيس الحريري، وقد وجدت في هذه المفاوضات فرصة جيدة للقيام بخطوتها، فهي تسعى إلى تغيير نظرة المجتمع الدولي إليها على أنها دولة راعية للإرهاب.
فعبر هذه المفاوضات، تثبت سوريا للعالم أنّها جادة وتسعى لإيجاد الحلول للمشكلات العالقة بينها وبين إسرائيل، لكن حقيقة الأمر أنّ هذا التغيير ليس سوى تغيير تكتيكي لا استراتيجي في السياسة السورية التي تعلم جيداً مدى الآثار السلبية لأي اتفاق سلام بينها وبين إسرائيل.
من المؤكّد أنّ سوريا لن تكون قطباً في محور الدول المعتدلة إذا وقّعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، وهذا ما لن ترضاه سوريا، لأنّه يحدّ من دورها الريادي على الأقل كما تعتقد.
ثانياً، إنّ السلام بينها وبين إسرائيل سيعني سقوطها من الحلف الاستراتيجي القائم بينها وبين طهران، لأن ذلك يخالف كل مرتكزات التحالف القائمة على أساس مواجهة إسرائيل.
وبالتالي، عوضاً عن سوريا، تكون إيران مضطرة للخروج من هذا التحالف، لأن ذلك يناقض ما نصت عليه الثورة الإيرانية بشأن عدم شرعية الكيان الصهيوني.
ثالثاً، إن السلام مع إسرائيل سيؤدي إلى خروج معارضة جديدة في سوريا، يكون أساس عملها تحريك المشاعر القومية والعمل على مقاطعة إسرائيل، مما سيؤثر ولو بشكل محدود على النظام.
رابعاً، إن أهم ما يمكن أن تحصل عليه سوريا من السلام هو استرجاع الجولان المحتل. فعلى الرغم من الأهمية الكبرى لتحريره، فإن الطريقة التي تكون قد تحرّر بها لن تليق به بعد هذه السنوات الطويلة من المقاومة، فمن المخزي أن يتحرر بشروط.
خامساً، ستكون إسرائيل المستفيد الأكبر، لأنها ستكون قد أسقطت آخر محاور الممانعة في المنطقة العربية.
سادساً، السلام يعني عزل قوى المقاومة في فلسطين ولبنان وإضعافها، وبالتالي دق آخر إسفين في نعش المواجهة. فالمقاومة آخر ما بقي لمواجهة إسرائيل، وإضعافها يعني سيطرة مطلقة، وما للأمر من تداعيات خطيرة على العالم العربي، وخاصة المحور الذي يحيط بها. فسوريا تعلم بهذه التحديات، وبالتالي، فإنّ العقبة الأولى التي ستواجهها في المفاوضات ستتخذها ذريعة للطلب بتأجيل أمر السلام إلى وقت تراه مناسباً أكثر، فتعود خطوة إلى الوراء، إلى حيث ما كانت، وتكون قد استثمرت إلى أفضل حدّ ممكن الظروف التي نشأت بعد انفتاحها على المجتمع الدولي.