لبنان أمام كارثة صحية تتمثل باستمرار تطور أنواع من البكتيريا ما يجعلها مُقاومة لأهم الأدوية المضادة للالتهابات، بل إن مسار تطورها أسرع من الحركة البحثية في العالم الهادفة إلى تطوير الأدوية... حان الوقت لدق ناقوس الخطر والسؤال عن أسباب هذه المشكلة وكيفية معالجتها
هيثم خزعل
ينتظر أهل رويدا خارج غرفة العناية الفائقة في أحد مستشفيات بيروت، يسألون الطبيب المختص عن حال رويدا فيجيب «نفعل ما في وسعنا والباقي على الله»...
تخفي إجابة الطبيب سراً يتعلّق بحالة المريضة، ولا يجرؤ على البوح به تحت طائلة طرده من المستشفى. وفي ظل انعدام الثقافة الطبية لدى الأهل يسهل إخفاء الحقيقة أو تحريفها. يثبت التقرير الطبي الصادر عن أحد مختبرات الأمراض الجرثومية أن جسم رويدا يحمل بكتيريا «pseudomonas» المقاومة لمعظم أدوية الالتهاب، وهي موجودة في الجهاز العضمي لمعظم الأحياء، وفي الأماكن الرطبة من الجلد أيضاً.
في غرف العناية الفائقة تكتسب هذه البكتيريا قدرتها على مقاومة أدوية الالتهاب، حيث يكثر استعمال هذه الأدوية، تتعرف جينات البكتيريا على الدواء وتغيّر تركيبتها الخاصة لتتحول إلى «بكتيريا مقاومة»، ويصبح الدواء غير ذي فعالية.
مصادر في نقابة الأطباء أكدت لـ «الأخبار» أن حالة رويدا ليست فريدة، ثمة مرضى يلتقطون البكتيريا المُقاومة في المستشفى، وذلك عبر الأدوات التي يتم إدخالها إلى جسم المريض في غرفة العناية كالأنابيب، وتكون هذه الأدوات غير معقّمة أو عبر أيدي الممرضين أو الأطباء الذين يدخلون الغرفة. ويُذكر أن جهاز المناعة هش عند المريض الذي يدخل غرفة العناية ما يساعد هذه البكتيريا.
طبيب الأمراض الجرثومية ورئيس مختبر الأبحاث المتعلقة بالأمراض الجرثومية في مستشفى الجامعة الأميركية الدكتور جورج أعرج يؤكد على مسؤولية المستشفيات في مشكلة البكتيريا المُقاومة، ففي أغلب المستشفيات يتم إهمال ضرورة تعقيم غرف العناية، ما يؤدي بكثير من المرضى إلى التقاط هذه البكتيريا وغيرها كالـ »acinetobacter» التي تسبب التهابات في الرئة والمسالك البولية. ويضيف إن التقاط البكتيريا يؤدي إلى إطالة مدة الاستشفاء وبالتالي إلى ارتفاع فاتورة العلاج، وقد تتسبب البكتيريا بموت المريض.
يشير أعرج إلى أن المشكلة في لبنان لا تقتصر على البكتيريا التي تلتقط في غرف العناية، بل تتعداها لتشمل أنواعاً أخرى من البكتيريا التي تطورت مقاومتها بفعل التناول العشوائي لأدوية الالتهاب ومنها بكتيريا escherie coli الموجودة في المصران الغليظ وفي فضلات الإنسان، كما تطورت بكتيريا clostoridium difficile الموجودة في الأمعاء، وتصبح مُقاومة بعد تناول دواء الالتهاب بخمسة أيام أو أكثر، ومن العوارض الكاشفة لها الإسهال الحاد ووجود دم في الفضلات.
يعزو أعرج تطور مقاومة البكتيريا في لبنان إلى تناول أدوية الالتهاب التي تُباع دون وصفة طبية ،كما أن أدوية الالتهاب يصفها الأطباء في لبنان في أولى مراحل العلاج، أما في الدول الأوروبية، فلا يصفها الطبيب إلّا في المرحلة الثالثة أو الرابعة من العلاج. يؤدي الاستخدام المفرط لهذه الأدوية إلى اكتساب البكتيريا مقاومة ضد الدواء إما بواسطة تغيير الجينات (resistance par mutation chromosomique) أو باكتساب عامل مقاومة دون تغيير الجيناتresistance extrachromosomique ou) plasmidique.)
بين عامي 2002 و2006 أجرى باحثون من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت دراستين عن تطور مقاومة أنواع البكتيريا في لبنان، أدارهما الأعرج والدكتور غازي زعتري.
المقارنة بين نتائج الدراستين تؤكد ارتفاع نسبة مقاومة أنواع البكتيريا المذكورة وغيرها لأدوية الالتهاب وانعدام تأثير بعض الأدوية المضادة للالتهابات عليها.
لا تملك وزارة الصحة أي إحصاء في ما يخص تطور أنواع البكتيريا في لبنان وانتشارها، كما لا يوجد في الوزارة طبيب مختص بالأمراض الجرثومية بحسب الدكتورة رشا حمرا مسؤولة التثقيف الصحي في الوزارة والتي احالتنا إلى الدكتور بيار ابي حنا طبيب الأمراض الجرثومية في مستشفى بيروت الحكومي. أكد أبي حنا وجود مرضى مصابين بأنواع من هذه البكتيريا، وتطابق كلامه مع كلام أعرج. أضاف أبي حنا إننا نشهد سباقاً غير متكافئ بين تطور مناعة البكتيريا وأدوية الإلتهاب. وتجدر الإشارة الى أن منظمة الصحة العالمية لا تملك معلومات أو إحصاءات عن تطور هذه البكتيريا في لبنان، وفق ديانا علم من المنظمة.
لبنان أمام كارثة صحية، ففي ظل الإسراف في تناول الأدوية المضادة للإلتهابات، وغياب التوعية حول هذا الأمر، فإن عدداً كبيراً من البكتيريا مرشحة لتطوير قدراتها المقاومة للأدوية لتضرب أعداداً متزايدة من المرضى، وفي ظل هذا الوضع ثمة أسئلة ملحة برسم وزارة الصحة والمستشفيات والمراكز البحثية والأطباء:
إلى متى سيستمر مسلسل طمس الحقائق عن المرضى والأهل - أو أو تحريفها - حفاظاً على سمعة المستشفيات؟ متى يتم تعزيز دور وزارة الصحة في مراقبة تعقيم غرف العناية وبيع أدوية الالتهاب؟.