غادة نجارخفتت لسنوات الأصوات المنادية بالتدقيق في مدى خطورة الهاتف، إلا أن الجدل استعيد مجدداً انطلاقاً من فرنسا. فقد أجمع متخصصون في الأمراض السرطانية على ضرورة اتخاذ تدابير وقائية لاستخدام الهاتف الخلوي، وأكدوا أن «الضبابية العلمية» المحيطة بتأثيرات الخلوي يجب ألّا تمنع المعنيين من العمل لحماية الصحة العامة. ارتكز الباحثون الفرنسيون ــــ فيما ارتكزوا ــــ على تجربة قديمة أُجريت في مختبرات الأبحاث البيو ــــ كهرومغناطيسية في جامعة واشنطن، وقد قادها هنري لاي عبر تعريضه لمدة ساعتين مجموعة من الفئران المخبرية لموجات تبلغ قوتها نصف قوة الموجات التي يتلقاها الهاتف المحمول، فلاحظ أن تغيّراً طرأ على الحمض النووي للخلايا الدماغية لهذه الفئران، ما يؤدي إلى إصابة الخلايا المتغيّرة بالسرطان، وبرهن لاي أن هذه الموجات تُخفض نسبة إنتاج الـMelatonine في الخلايا، وهو هرمون يسهم في قدرة الإنسان على النوم وفي قدرة الخلايا على تنظيف نفسها من النفايات البيولوجية. وفي تجارب أخرى، لاحظ لاي مشاكل في أداء هذه الفئران المتعلّق بالذاكرة والقدرة على التعلم.
تعدّ أبحاث هنري لاي وفريقه الأكثر تنبيهاً إلى خطر الهاتف المحمول حتى الآن، ولكنها ليست الوحيدة، كما أنها ليست حاسمة. فقد أكّد الدكتور ثيودور ليتوفيتس الفيزيائي في الجامعة الكاثوليكية في واشنطن أن استخدام المحمول لفترات طويلة ينطوي على مخاطر عديدة، ولا سيما على المخلوقات الفتية. فقد عرّض ليتوفيتس جنين دجاجة لموجات شبيهة بالموجات التي يتلقّاها المحمول لدقائق قليلة فتوقف قلب الجنين.
أما في ما يتعلق بالتجارب التي أجراها ليتوفيتس على كائنات أكبر سناً، فقد لاحظ من خلالها تضارباً في النتائج، حيث ظهر أن التعرض لـ20 دقيقة للموجات قد يكون له تأثيرات إيجابية فيزيد إفراز البروتينات المعروفة بـHeat Shock Proteins التي تسهم في تنظيف الخلايا من السموم.
إن هذه الأبحاث وغيرها لم تتوصل إلى إثبات قاطع بأن الهاتف الخلوي يمثّل خطراً حقيقياً على صحة الإنسان، لكنها، وفق ميشال بلانت المدير المسؤول عن شؤون الصحة العامة في Hydro-Quebec في كندا، تحتاج إلى متابعة طويلة المدى، لأن التأثيرات قد لا تظهر مباشرة. ويلفت الخبير الصحي الكندي ستيفان غارنو إلى أن التجارب والأبحاث لم تستطيعا أن تقدما برهاناً قاطعاً على خلو استخدام الخلوي من أي خطر على صحة الإنسان،
إن الإشكالية العلمية التي يطرحها استخدام الخلوي وتأثيره على صحة الإنسان لا زالا بعيدين عن الحل النهائي. جميع الدراسات تؤكد عدم توافر برهان قاطع على أن الموجات الصادرة عن الخلوي تؤدي إلى ارتفاع احتمال الإصابة بسرطان الرأس أو الخرف أو غيرهما من الأمراض المستعصية، ولكنها لا تنفي كذلك أن الخلايا البشرية تمتص بعضاً من هذه الموجات. من جهة ثانية، يؤكد المشككون أن معظم الدراسات مُوّلت من شركات الخلوي، لذا هناك مخاوف من عدم قول الحقيقة كاملة عن نتائج هذه الأبحاث.
إن الإشكاليات المحيطة بالخلوي ليست مقتصرة عليه. فإذا عدنا بالذاكرة إلى الستينيات من القرن الماضي نلاحظ الإشكال المشابه الذي دار حول مراكز خطوط التوتر العالي الكهربائية، ومن ثم في الثمانينيات حول خطورة المايكروويف، ومنذ ظهور الهاتف الخلوي انتقل الصراع نحو هذه التقنية الجديدة.
وينتظر العلماء والاختصاصيون نتائج الدراسة التي تقوم بها مؤسسة Interphone بالتعاون مع المركز العالمي للأبحاث السرطانية في مدينة ليون الفرنسية التي بدأت منذ عام 1998 في أربعة عشر بلداً، ومن المتوقع أن تنتهي أواخر العام الجاري.
ومن المفترض أن تقدم الدراسة مجموعة من الإجابات عن علاقة الخلوي بارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الرأس والغدد اللعابية وغيرها من السرطانات