عباس المعلمهي الضاحية الجنوبية التي تشغل العالم وعواصم القرار، لكن هذا الانشغال بها ليس لأنها مدينة سياحية أو تجارية مثل تايوان أو إمارة موناكو، بل لأنها تحتضن قيادة المشاغبين في حزب الله. وعليه، يمكن للمرء أن يبني على بؤس الضاحية وحرمانها وجود هؤلاء القوم على أرضها، لكن سرعان ما يتبدل هذا المشهد إذا كان هذا المرء يعرف المنطقة وطبيعتها، حتى يعلم أن المشاغبين هم أهلها وناسها، وهم مَن يوفرون الحد الأدنى لمتطلبات شعبها الحياتية والحيوية أيضاً.
وأهل الضاحية فرحون بأن «إرهابيي» حزب الله يقطنون فيها، فعلى الأقل يعوّضون الحرمان على مختلف الصعد، بشرف ضيافة المقاومة وإنجازاتها الكبيرة التي تدغدغ الكون كله من قلب الضاحية الجنوبية. وهنا يمكننا الفصل بين الحرمان المنظّم والمقصود للضاحية، ووجود «المشاغبين». فعلى الأقل، فإن عمر الحرمان هناك يكبر ولادة حزب الله بثلاثين عاماً على أقل تقدير، وحتى قبل أن يأتي الإمام الصدر وتولد حركة «أمل»، ما يعني أن الحرمان غير مرتبط بخيار أهل المنطقة السياسي.
وربما اليوم أصبح يورّث من جيل إلى جيل بوصية الأب وملاحظاته لأولاده قبل أن يغادر الدنيا، وأكثر ما هو لافت في موضوع الحرمان في الضاحية، هو الكهرباء التي لديها مشكلة كبيرة وعميقة مع أهل الضاحية على وجه الخصوص، فمَن يدخل الضاحية ليلاً وينظر إلى محيطها شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، يدرك أن صراع الكهرباء معها أعمق بكثير من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
وربما في المدى المنظور يكون للصين واليابان وألمانيا سفراء وسفارات في الضاحية لكثرة شركات المولّدات الكهربائية هناك ونسبة الشراء العالية، وحتى يمكن أن نشهد مكتباً لمنظمة «أوبك» هناك أيضاً، لأن الضاحية هي الأكثر استهلاكاً بثلاثة أضعاف عدد سكانها، البالغ مليوناً ومئتي ألف نسمة، للنفط بشتى مشتقاته صيفاً وشتاءً وليلاً ونهاراً وحتى أيام الآحاد والعطل الرسمية.
يسأل أهالي الضاحية: ما هي الخطيئة التي ارتكبوها كي يكون عقابهم حرمانهم من المياه والكهرباء، هل لأنهم يقاتلون إسرائيل؟ يقول الحاج حسن، كل الناس في لبنان يكرهون إسرائيل، ويسأل آخر: كل المناطق فيها تقنين 3 ساعات إلا الضاحية من 9 إلى 12، وبعض الأحيان 16 ساعة، فما السبب؟ يتنهّد شاب جامعي اسمه أحمد قائلاً: أتعرفون أن نسبة الجباية للكهرباء في الضاحية تعدّ خزان الدعم لشركة كهرباء لبنان، وتصل نسبة الجباية إلى 80 في المئة، بينما هناك شركات ومصانع ضخمة في تلك المناطق التي لا تقطع عنها الكهرباء لا تدفع الفواتير المستحقة عليها بالمليارات، ويتابع أحمد: إن 40 في المئة من حركة التجارة والبيع والشراء، من مواد بناء إلى سيارات وقطع السيارات، إلى المقاهي السياحية والمطاعم وأسواق الألبسة ومحطات الوقود وشركات الإلكترونيات ومحلات الميكانيك والملاعب الرياضية والملاهي والتعاونيات الغذائية والمحال التجارية على أنواعها في لبنان موجودة في الضاحية، وهذا يعني أنه إذا توقف العمل في الضاحية 3 أيام فستنهار الليرة والسوق المالي في لبنان، وكل هذا والكهرباء تغيب عن الضاحية.
وبرأي الحاجة أم حسين أن كل هذا الكلام لا يفيد، وتسأل: عندما غابت الكهرباء بشكل نهائي عن بعض مناطق الضاحية أعيد التقنين إلى 6 ساعات بموجب دفع فاتورة 7 شهداء وعشرات الجرحى في مار مخايل.
واليوم تسأل أم حسين: كم مئة شهيد نحتاج حتى يصل التقنين الكهربائي في الضاحية إلى 3 ساعات كسائر مناطق لبنان؟ سؤال برسم مَن يدّعي أنه يعمل لبناء دولة المؤسسات والعدالة؟