تزامنت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى لبنان أمس مع اعتصام نفذه أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان والمعتقلين في السجون السورية على الطريق المؤدية إلى قصر بعبدا. الاعتصام الذي شهد تدافعاً بين المشاركين وعناصر الجيش اللبناني انتهى إلى تسليم وفد من الأهالي مذكرة بالمطالب إلى مدير مكتب الرئيس الذي وعد باستقبال الأهالي قريباً
مهى زراقط
48 ساعة هي المهلة التي وُعد فيها وفد أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان لتحديد موعد لهم مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتسليمه مذكرة بطلباتهم وآلية العمل المقترحة لمعالجة هذا الملف. هذه المقابلة كان قد طلبها الأهالي منذ 5 حزيران الفائت، ولم يحصلوا على ردّ إلا بعد نزولهم إلى الشارع أمس تزامناً مع زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى لبنان.
وكانت الدعوة إلى الاعتصام قد جرت في وقت متأخر أول من أمس، رغم ذلك لم تتأخر والدات المفقودين وشقيقاتهم عن تلبية النداء، وتوافدن إلى مكان التجمّع، قرب «هيبرماركت أبو خليل" في الحازمية، قبل الموعد المحدّد عند العاشرة والنصف صباحاً.
حملن صور مفقوديهم ذاتها، وردّدن أمام وسائل الإعلام حكايات الوداع الأخير مع أحبّتهم وتفاصيل رحلة البحث عنهم والأدلة التي نجحن في جمعها لتأكيد وجودهم في سجن معيّن. بعضهن كان يمسك شعلة أمّ توفيت قبل أن تكمل المسيرة، كشقيقة المفقود ميلاد حبيب يوسف التي أوصتها أمها قبل وفاتها منذ عامين: «إذا عاد حياً أوصيه أن يزور قبري ويطرق عليه، أنا سأسمعه وأعرف أنه عاد». وثانية عرضت بصمات شقيقها الذي يؤكد الشهود وجوده في سجون سوريا، وثالثة استعانت بشهود من المعتصمين أنفسهم لتؤكد أن أخاها لا يزال على قيد الحياة.
هي الحماسة نفسها للمطالبة بوصول هذا الملف إلى نتيجة، لكن الأمل يكاد يتضاءل: «لو بدّن يتأثروا ويردّوا علينا كانوا ردّوا من زمان» تقول إحداهن. فيما تبدو سيدة أخرى أكثر تفاؤلاً: «هذا العهد سينهي كلّ ّالملفات، لا شك أنهم سيضعون نهاية لملف المفقودين».
هذا ما تأمل رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني التوصل إليه، مستندة في ذلك إلى صمود الأهالي ونضال الأمهات في متابعة قضية أولادهنّ، مطالبة ليس فقط بعودة الأحياء ممن يمكن التعرّف إلى وجودهم في السجون السورية بل بتحديد مصير كلّ المفقودين في لبنان وسوريا (بعدما أنجز الملف مع إسرائيل): يجب على أمراء الحرب أن يقدّموا خرائط بالمقابر الجماعية التي دفنوا فيها أولادنا لوقف معاناة آلاف العائلات اللبنانية المستمرة منذ عقود.
بقي الجو سلمياً وإيجابياً حتى الساعة الحادية عشرة، حين قرّر رئيس منظمة «سوليد» غازي عاد التوجه إلى قصر بعبدا لتسليم مذكرة إلى رئيس الجمهورية. عبر الحواجز الحديدية التي وضعها الجيش اللبناني فاصلاً بين الأهالي والطريق العام، ودخل مع حلواني في نقاش مع الضابط المسؤول. دقائق قصيرة ولحق بهما عدد من الأهالي والمعتصمين طالبين التوجّه معاً إلى القصر الجمهوري. كان ردّ الضابط المسؤول رفضاً حاسماً فلجأت بعض النسوة إلى افتراش الأرض، وساد هرج ومرج قبل أن ينفجر الموقف فجأة على خلفية استفزازات متبادلة من جانب شبّان معتصمين وعناصر الجيش اللبناني ما أدى إلى حصول تدافع راح ضحيته عدد من النسوة اللواتي وُجدن في الوسط.
الإشكال الذي تزامن مع مرور موكب الوزير المعلّم لم ينته مع عبوره باتجاه القصر الرئاسي، بل استمرّ التلاسن بين الشبان الذين حمل بعضهم الأعلام الكتائبية وبين عناصر من الجيش، فيما أُوقف شقيق المفقود بشارة رومية، إيلي بعد تلاسن حاد واعتداءات بالأيدي ثم افرج عنه. وسبّبت هذه المشاحنات عتاباً بين بعض الأمهات اللواتي تراجعن إلى الخلف والشبان المعتصمين، ولم تتردد إحدى السيدات في الصراخ بغضب، وباللغة الفرنسية: vous avez tout gaché.
في هذا الوقت كانت المفاوضات جارية لإيصال وفد من المعتصمين، تقدّمه عاد وحلواني إلى قصر بعبدا، حيث التقوا مدير مكتب القصر الجمهوري الجنرال مكاري، وأكدوا على الطابع السلمي للتحرّك كما سلّموه نسخة عن مذكرة وقّعتها 16 هيئة اجتماعية، مطالبين بتحديد موعد لمقابلة سليمان وتسليمه المذكرة الأصلية.
وتطالب المذكّرة بتحديد مصير جميع من اختفى قسرياً أو فقد ما بين تاريخ 13 نيسان 1975 و26 نيسان 2005. «ويجب أن تتناول عملية تحديد مصير كل حالات الاختفاء التي حصلت نتيجة أفعال قامت بها القوات الإسرائيلية والقوات السورية والمنظمات المسلحة والميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وكذلك جهات نظامية أو رسمية لبنانية خلال الفترة الزمنية المحددة أعلاه».
كما تقترح المذكرة خطة عمل متكاملة نذكر منها: «إدراج قضية المخفيين قسراً في البيان الوزاري للحكومة، إعلان 13 نيسان يوماً وطنياً للذاكرة، تحريك النيابات العامة من أجل إجراء التحقيقات واستقاء المعلومات وجمع الأدلة وتلقي الإفادات والشهادات والاطلاع على أرشيف أجهزة الأمن الرسمية والميليشيات ومحاضر اللجنتين الرسميتين المعنيتين بقضية المخطوفين اللتين أُلّفا تباعاً عامي 2000 و2001 (...) وذلك بهدف تحديد مصير المختفين والمفقودين، تحديد وكشف المقابر الجماعية على جميع الأراضي اللبنانية وذلك وفقاً للمعايير الدولية». أما في ما يتعلق بملفات اللبنانيين المعتقلين والمخفيين قسراً خارج الأراضي اللبنانية، فيجب «اللجوء إلى المجتمع الدولي لإنشاء لجنة تحقيق دولية».
وفي وقت لاحق علّق عاد لـ«النشرة» على تصريح الوزير المعلّم الذي أكد فيه أن من انتظر 30 عاماً في موضوع الأسرى يمكنه الانتظار بضعة أسابيع بالقول: «إن الحديث عن بضعة أسابيع التزام جدي من جانب المعلّم سيُتابع»
من جهته أسف رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لما حصل مع أهالي المفقودين معتبراً أنه «لم يكن يجب أن يحصل» وأكد أن الحكومة «ستعتمد سياسة وضع آلية عمل للوصول الى معرفة مصير كل واحد من هؤلاء المفقودين».