الكوانتم ومهمّة فهم العلم المعاصر وتأويله
ماجد الشيخ
يؤكّد مؤلّف كتاب «فلسفة الكوانتم» رولان أومنيس أنّ العلوم الأكثر أساسيّة، وهي تلك التي تتناول المكان والزمان والمادة، والتي سمّاها الإغريق علوم الوجود، قد تجاوزت حدود الحسّ المشترك والفلسفة التقليديّة. وأنّ ما نبتغيه هو أن نستبين ذاك الخواء الناشئ، وأن نصلح من شأنه بمعنى ما. إنّه صدع في تواصل الفكر، يحول بيننا وبين أن نكون على وعي كامل بالوضع، وعي بمعنى العلم ومضمونه.
إلاّ أنّ العلم الّذي يتصدّى له الكتاب، ليس علم القرن الواحد والعشرين، بل هو علم الكتب الموثّقة جيّداً التي جعلت كلّ شيء يبدو واضحاً جليّاً. بدأ هذا مع بيكون كحلم من أحلام الفلسفة، ولا يدهشنا أنّ كثيرين من الفلاسفة قد ألهمهم هذا الحلم: ديكارت ومالبرانش وسبينوزا وليبنتز وهيوم وكانت، وآخرون كثر. لقد تمثّلوه وهضموه ليصل إلينا في صورة منقّحة، وأيضاً جعلوا من العسير علينا أن نحرّر أنفسنا منه.
ولكي نقدّر قيمة هذا الحلم، يكفي أن نتذكّر السابقين على سقراط، الذين تحمل أعمالهم ـــ ومعظمها مفقود ـــ العنوان نفسه، في الطّبيعة. لهذا يلجأ أومنيس للحديث عن العصر الذي كان العالم فيه يافعاً ولا يزال حدسيّاً، وعلى اتفاق طبيعي مع إدراكنا للعالم، عن علم كلاسيكي.
وفي البداية، سوف نتحدّث عن المنطق، عن سوء الفهم. إنّ المنطق مثل الماس؛ خالص وشفيف، وأيضاً محصّن لا يسهل انتهاكه. ولأنّ طبيعته تثير بصورة قصوى أعمق الأسئلة في العلم وفي الفلسفة، وأيضاً سوف نقول شيئاً ما عن الرّياضيّات، بسبب دورها المحوري في بيئة العلوم الفيزيائيّة، بيد أنّ الرّياضيّات تملك أيضاً الكثير من صلب ذاتها لتعلّمنا إيّاه، وذلك حين نجدها مثل مبدأ اللوجوس الحديث، تصعد الهوينا من وضع خادمة العلوم والفلسفة إلى وضع الملكة المتوّجة.
على أيّ حال، ثمة ميل غريب إلى أن نقرأ ما نتوقّع أن نقرأه في هذا الكتاب، بدلاً من أن نقرأ ما يريد المؤلّف أن يقوله (وهو نزوع عمد بول فاليري إلى تحليله تحليلاً مستفيضاً). وكذا استناداً إلى فقرة لافتة من كتاب «الإحياء العظيم» لبيكون يقول فيها: «والآن يقوم مخطّطي على أن نسير بانتظام وبالتّدرّج من بديهيّة إلى أخرى، بحيث لا نصل إلى أعمّ البديهيّات إلا في النهاية؛ ولكن حين نصل إليها لن نجدها أفكاراً خاوية، بل أفكاراً محدّدة تحديداً جيّداً. وبهذه الطّريقة نعرف الطّبيعة ذاتها معرفة حقيقيّة مثلما عرفنا مبادئها، ومثلما تكمن هذه المبادئ في لبّ الأشياء ولبابها».
على هذا المنوال، ينسج رولان أومنيس، عالم فيزياء الكوانتم البارز، بل هو يقدّم في استعراض شائق الصلة أو العلائق الوشيجة التي ربطت تاريخ الفلسفة والمنطق والرياضيّات والفيزياء. وعلى حدّ تعبير المترجمين (أحمد فؤاد باشا ويمنى طريف الخولي) فإنّ هذا الكتاب يمثّل محاولة بالغة الجديّة والعمق لترويض العلم بأسره؛ الرّياضي والفيزيائي، حتّى ينجح في التّقريب بين دور الحس المشترك في تعريف العالم الكلاسيكي، وما تقوم به الرياضيّات الصوريّة المعقّدة حاليّاً لوصف العالم في أساسيّاته الأوّليّة بدقّة فائقة.
* كاتب فلسطيني


العنوان الأصلي
فلسفة الكوانتم

الكاتب
رولان أومنيس

الناشر
عالم المعرفة