هل يكون حريق سوق الغرب المندلع منذ ثلاثة أيام متعمداً أم لا؟ هذا السؤال لا ينتظر إجابة، بل يطرحه سكان المنطقة بلهجة لا تخلو من تأكيد، وخصوصاً أن أحداً لا يقترب من المنطقة التي اندلع فيها الحريق بسبب وجود الألغام فيها، إضافة إلى أنها لم تتعرّض سابقاً لحريق مماثل. في المقابل، يبرز السؤال عن خطة وطنية لتدارك الحرائق المفتعلة بنسبة 95%
عاليه ـ عامر ملاعب
وفي اليوم الثالث لاندلاع الحريق في المناطق الحرجية الممتدة بين سوق الغرب وعين الرمانة (عاليه) وعين السيدة، استُؤجرت طوافات من قبرص للمساعدة في إخماده، فيما تكثفت عمليات الدفاع المدني عند أطراف الطرق العامة وقرب الأحياء السكنية في هذه البلدات، لعدم قدرتها على الوصول إلى مكان الحريق.
وتركزت عمليات الإطفاء على الطوافات العسكرية التابعة للجيش اللبناني، إلى جانب طوافتين قبرصيتين من نوع «كاموق» روسيتي الصنع، حطّتا أمس في القاعدة الجوية لمطار رفيق الحريري الدولي، مع العلم بأن طوافتين للجيش وأخريين للأمم المتحدة تشارك منذ البارحة في عمليات الإطفاء.
واستُؤجرت الطوافتان القبرصيتان بعدما قدّم النائب سعد الحريري هبة إلى الهيئة العليا للإغاثة، تتضمّن تغطية تكاليف استئجار طوافتين من جمهورية قبرص لمدة ثلاثة أشهر، بغية إخماد الحرائق التي قد تندلع في مختلف المناطق والأحراج اللبنانية.
وقد بعث الحريري برسالة إلى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة أوضح فيها طلبه، لافتاً إلى «أنّ انتشار الحرائق في الأحراش والغابات التي يتعذّر وصول آليات الإطفاء والدفاع المدني إليها، يستوجب لإخمادها اللجوء إلى طائرات خاصّة، وخصوصاً أنّها غير متوافرة لدى الأجهزة المختصّة». وبناءً على الرسالة، طلبت رئاسة مجلس الوزراء من الهيئة العليا للإغاثة المباشرة فوراً باتّخاذ الإجراءات اللازمة لوضع هذه الهبة موضع التنفيذ العملي، كي تُستقدم الطوافتان من قبرص لمباشرة عملهما.
وتحمل الطوافة القبرصية خزاناً سعته نحو 5 آلاف ليتر من المياه، وزُوّدت بمياه البحر وقامت بطلعات عدة، فيما أخمدت طوافتان تابعتان لسلاح الجو في الجيش اللبناني النيران في طلعات مكثفة ومتقاربة زمنياً، بحيث كانتا تتزودان بالمياه من إحدى برك المياه القريبة من مكان الحريق الذي شهد انفجار نحو 15 قذيفة ولغماً خلال إخماده، بسبب النيران المندلعة.
وأشرف المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة على الإجراءات الميدانية التي وضعها الدفاع المدني لإطفاء الحريق، وشكر كل من ساهم في إخماد الحريق ومنع امتداده إلى المناطق الآهلة. كما شارك متطوعون من «جمعية حماية الثروة الحرجية والتنمية» و«جمعية غدي» وعدد من الأهالي، إلى جانب عناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
وبالعودة إلى بدايات اندلاع الحريق، طالب رئيس بلدية سوق الغرب نبيل الصليبي وزير الداخلية زياد بارود «بأن يبذل جهداً لكشف ما إذا كانت الحرائق مفتعلة، ونحن ليس لدينا معطيات، ولكن التحقيقات وحدها تبين الحقيقة». وأكد أن العمل على متابعة عمليات الإطفاء بدأ منذ اندلاعه قبل ثلاثة أيام، وكان الخوف من أن تصل النيران إلى الأحياء السكنية، فالخُضرة يمكن تعويضها، أما الأرواح فلا، لذلك تركّز جهدنا على حماية المواطنين بالدرجة الأولى». لكنه لفت إلى أن «الخسائر البيئية كبيرة، وتشمل مساحة نصف مليون متر مربع، وتتطلب إعادة تحريج واستصلاح، ونحن بدأنا كمجالس بلدية إحصاء الخسائر والأضرار، على أمل أن يصار إلى التعويض على المزارعين كمرحلة أولى».
من جهته، أعاد رئيس مركز الدفاع المدني في مدينة عاليه التأخير في إخماد الحريق إلى «طبيعة الأرض الصعبة، فضلاً عن وجود قذائف غير منفجرة، وهي مناطق خطرة جداً، وليس من المنطق أن ندخل أحداً إليها تجنباً لوقوع خسائر في الأرواح من المتطوعين والأساسيين في الدفاع المدني، الذين أتوا من مختلف المناطق، ومن الجيش اللبناني».
وهذا ما أكدته رئيسة مركز الدفاع المدني في بحمدون مارسيل أبو رجيلي: «كنا هنا أول من أمس، ووجدنا أن ليس ثمة إمكان لإخماد النيران بواسطة سيارات الإطفاء، بالرغم من أن عناصر الدفاع المدني دخلوا إلى قلب الحريق وتحمّلوا مخاطر، ومددنا نحو 26 خرطوم مياه إلى نصف الجبل، وانفجرت قذائف، وطلبنا من المسؤول في الجيش اللبناني في المنطقة عند الثانية والنصف بعد الظهر مساعدتنا بطوافة عسكرية، وكان جوابه أن لا إمكان لهذا الأمر، وهنا نسأل: لماذا أصبح الأمر ممكناً اليوم؟ صحيح أن عناصر الجيش تعبوا وخاطروا بحياتهم، ولكن لو تأمّنت طوافة لكنّا استبقنا الأمور، وللأسف، وصلت الطوافات في اليوم الثاني قرابة الحادية عشرة صباحاً بعد أن اقتربت النيران من عاليه. وكان بالإمكان أن نستبق الامور قبل نحو عشرين ساعة».
أما رئيس «جمعية غدي» فادي غانم فقد حمّل «بعض الأيادي السوداء» مسؤولية الحرائق التي أدّت إلى انخفاض المساحة الخضراء في لبنان من 13 إلى 6 في المئة، «إضافة إلى جشع المستثمرين، حيث نرى غالباً بعد الحرائق، أبنية جديدة تفتقر إلى الحد الأدنى من المواصفات البيئية والجمالية، بحيث زادت نسبة البناء في المناطق القريبة من الساحل حوالى 11 في المئة السنة الماضية».
يضاف إلى ذلك «قطع الحطب والمتاجرة به، حيث نشطت هذه التجارة في السنوات الماضية، مع الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات، وخاصة المازوت، حيث يقدّر استهلاك لبنان السنوي لحطب الوقود بنحو 82 هكتاراً قبل زيادة المحروقات، أما هذه السنة فننتظر قفز الاستهلاك إلى 105 هكتارات تقريباً». وانتقد غياب خطة وطنية شاملة لمكافحة الحرائق «المفتعلة بنسبة 95% منها».
من جهة ثانية، أفادت المديرية العامة للدفاع المدني بأن عناصرها نفذت، أول من أمس، 99 عملية إطفاء و100 عملية إسعاف وإنقاذ في مختلف المناطق.