صيدا ـ خالد الغربيكلما وقعت واقعة تخص الناس في مدينة صيدا، أو تخص المدينة نفسها، سرعان ما تسمع في الوسط السياسي والشعبي في المدينة عبارات مثل «لو كان مصطفى حياً لكان فعل كذا؟ وتصرف بكذا؟ ولما قبل بهذا»... وغيرها من العبارات المماثلة التي لا يزال يستخدمها الصيداويون والجنوبيون، لا سيما من يدور منهم في فلك التنظيم الشعبي الناصري. عبارات تعكس ذلك الحضور القويّ للراحل مصطفى سعد أو كما كانوا ينادونه «أبو معروف» الذي يحيي التنظيم الشعبي الناصري ذكرى رحيله السادسة (توفي بعد معاناة مع مرض عضال في 25 تموز 2002) بتكريم عميد الأسرى سمير القنطار في احتفال يقام مساء الجمعة في مركز معروف سعد الثقافي.
فبعد ست سنوات على رحيله، يبدو أبو معروف أكثر توهجاً والحاضر الأكبر في مدينته التي أحب والتي كان «يحلف بغربته متى تعدى عتبتها»، واصفاً إياها بالنيل «هادئة لكن متى طافت فالله يستر».
في ذكراه السادسة يستعين أحد الزملاء الإعلاميين بمخزون الذاكرة، ليروي أنه كان بصحبة آخرين يزورون سعد في منزله في آذار من عام 1984، وقد همّوا بالمغادرة، لكنه طلب منهم بإلحاح البقاء. بعد قليل دوّى صوت انفجار عبوة ناسفة استهدفت دورية للاحتلال في مكان قريب «يلا فيكن تتسهلوا»، عندها فهم الجمع إصرار سعد على عدم مغادرتهم، فرجال المقاومة كانوا قد انطلقوا لتنفيذ عمليتهم من منزل سعد. ويتذكر مقاوم من «الحزب الشيوعي اللبناني» صحن الفول الذي أعدّه سعد (في مكان غير منزله) لمجموعة من المقاومة قبل توجهها لتنفيذ عملية عند مفرق درب السيم، لافتاً نظرهم إلى أن الفول «بسطل وعليكم الانتباه». وكان أبو معروف عندما يتحدث عن تلك المرحلة يدعو إلى عدم إهمال الدور المقاوم الذي لعبته، فضلاً عن الفصائل المنخرطة في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، عناصر المنظمات الفلسطينية بكل أطيافها، وأيضاً عناصر إسلامية مستقلة، وقبل هؤلاء جميعاً مواطنون عاديون امتشقوا السلاح بقرار ذاتي، وأهم من ذلك إرادة الشعب.
ذكريات كثيرة يستحضرها جمهور واسع في صيدا ومنطقتها عن وطنية الرجل ومواقفه الصغيرة قبل الكبيرة، وانحيازه إلى الناس. مواقف وذكريات تبدأ منذ أن أزال الرجل الإطارات المشتعلة فور عودته من موسكو (بعد أيام قليلة على إصابة والده في شباط 1975 على رأس تظاهرة صيادي الأسماك)، ثم حمله رسالة والده الشهيد رغم تعقيدات الواقع اللبناني آنذاك، ليثبّت المهندس الزراعي أقدامه ويحجز لتنظيمه مقعداً بين الكبار. وفي ظلّ هذا الواقع، بقي ملتصقاً بالقضية الفلسطينية وقضايا الناس إلى ما بعد تفجير منزله قبل الانسحاب الإسرائيلي بأسابيع قليلة وإصابته بجراح بالغة وفقدانه بصره نهائياً. وكان من المصرّين على عودة المهجرين المسيحيين إلى قراهم في شرق صيدا، الذين توجه إليهم بالقول: «ارجعوا حوّشوا الزيتون والعنب». فقد كان الرجل الوطني، العابر للطوائف والمذاهب، ما جعله يحصد أعلى رقم أصوات ناخبة في تاريخ العملية الانتخابية في لبنان خلال انتخابات عام 2000.
غير أن استذكار مواقف الرجل غالباً ما يفرض مقارنة ظالمة مع خلفه أسامة سعد الذي بقي لسنوات ظلاً لشقيقه. وهذا ما يؤكده سعد نفسه، لافتاً إلى «كاريزما» مصطفى القيادية وحنكته السياسية وأثمان النضال التي دفعها من حياته وجسده وعينيه واستشهاد ابنته، والتي تجعل منه مشروعاً نضالياً قائماً بذاته من الصعب مجاراته.
يبقى أن «أهم شيء في الاحتفال بالذكرى السادسة لرحيل أبو معروف، إنو سمير القنطار بدو يكون حاضر» كما يقول محمد، أحد مناصريه.


«مركز مصطفى سعد الثقافي»

رغم إزاحة الستار عن اللوحة التي تحمل اسم «مركز مصطفى سعد الثقافي» العام الماضي، إلا أنه لم يفتتح إلى اليوم.
ويكمن سبب التأخير في تحوّل المركز (قصر العدل القديم) إلى ثكنة أمنية تشغلها قوى الأمن الداخلي، وقد تعاقبت عليها منذ عامين العديد من القطع والوحدات والفصائل.
وفيما يشير كثيرون إلى أن قوى الأمن الداخلي كانت حصلت على إذن من البلدية لكي تشغل وحداتها «هذا المركز الثقافي»، فإن البعض يدعو البلدية إلى مطالبة جدية للجهات السياسية والوطنية المختلفة لتطلب من قوى الأمن الداخلي إخلاء المبنى، وخصوصاً أن ما يُتذّرع به من ضرورات أمنية قد يوجد لها بدائل، ولكي لا يبقى المركز اسماً على غير مسمى، وبدل الثقافة تعشّش بداخله ثقافة النظام الأمني.