يُكلّف تهريب شخص واحد من السودان الى لبنان 2700$. يخرج فيها السوداني من وطنه بأوراق قانونية قاصداً سوريا، حيث ينتظره «الخبير» لتبدأ الرحلة نحو لبنان، حيث تحسين الحياة، أو السجن ثم الترحيل
رضوان مرتضى
يترك سودانيون وطنهم قاصدين لبنان سعياً وراء حياة أفضل، أسوة برفاق لهم تمكنوا بعد فترة غير طويلة من العمل في لبنان من تغيير حياتهم. «صلاح» تمكّن بعد 8 سنوات عمل في لبنان من شراء حافلة ركّاب في الخرطوم. و«عبدالرازق» بنى مطعماً مؤلفاً من طابقين بعد 11 عاماً من الإقامة في لبنان. «كاشف» رغب في الاقتداء بهؤلاء، فقرر السفر إلى لبنان لعلّه يبني مطعماً أو يشتري حافلة، أو على الأقل يؤسس لعمل خاص به، فيتخلّص من عمله في فلاحة الأرض.
أحد أقرباء «كاشف» أرشده إلى شخص في السودان يدعى «عبد الغفّار». هذا الأخير سيقوم بتوفير كل الأوراق المطلوبة لسفر «كاشف»، وسيضمن دخوله إلى لبنان بكلفة 2500 دولار. استطاع «كاشف» توفير المبلغ المطلوب، وبدأت استعدادات السفر.
انتحل «كاشف» صفة تاجر من أجل الحصول على تأشيرة دخول إلى سوريا، بعدما أعطاه «عبد الغفار» مبلغ 3000 دولار تأكيداً لصفته التجارية. وإذا لم ينل الموافقة على دخول الأراضي السورية، «فإن مبلغ 50 دولاراً كفيل بختم التأشيرة». أما مبلغ الـ3000 دولار فسيسترجعه عبد الغفار بعد دخول «كاشف» إلى سوريا، لأن هناك أشخاصاً مثل «كاشف» ينتظرون أن يحملوا المبلغ المذكور ليتمكنوا من دخول سوريا، فهو جواز العبور لهؤلاء.
في سوريا، نزل كاشف في أحد الفنادق الذي حُجز له فيه مسبقاً. وفي النهار نفسه، جاء إليه رجل يُدعى «عثمان» ويعرف بـ«الخبير»، وقال له إنه هو مَن سيُدخِلَه إلى لبنان. الخبير هو الشخص الذي يتولى نقل السودانيين من الفندق إلى الحدود السورية ــــ اللبنانية مقابل مبلغ مئة دولار، وعادة ما يكون هذا الشخص من الجنسية السورية. على الحدود يتسلّمهم خبير آخر، لبناني.
طلب «الخبير» من «كاشف» الانتقال معه إلى إحدى الشقق لكي يقضي ليلته فيها بانتظار اليوم التالي. جاء اليوم التالي لكن «كاشف» لم يسافر إلى لبنان، لماذا؟ لأن «الخبير» أخبره بأن الدوريات الحدودية مكثّفة في ذلك اليوم. أُجّل سفر «كاشف» يومين، ليأتي اليوم الذي انتظره طويلاً. انطلقا معاً إلى الحدود السورية ــــ اللبنانية بسيارة مرسيدس وصفها «كاشف» بالفخمة جداً. وصلا إلى الحدود، فقبض الخبير الـ100 دولار، وأخذ الـ3000 دولار ليعيدها إلى عبد الغفار. ومن هناك بدأت رحلة 8 ساعات مشياً على الأقدام برفقة 6 سودانيين آخرين. في تلك اللحظة علم «كاشف» أنه سيدخل إلى لبنان بطريقة غير قانونية. بمعنى آخر، سيُهرّب إلى لبنان.
في لبنان، تسلّمهم الخبير اللبناني وكانوا 7 أشخاص سودانيين، تعرّفوا إلى بعضهم على الحدود. «الخبير» اللبناني يدعى «هيثم» أخبرهم بأن هناك عدة طرق عادة ما يسلكونها تبعاً للأحوال الأمنية التي تكون سائدة على الحدود. أقصرها تأخذ منهم 4 ساعات وأطولها 10 ساعات. رغم صدمة «كاشف» من الطريقة التي سيدخل بها إلى لبنان والتي لم يُخبره أحد عنها شيئاً، صبر وقرر خوض الرحلة حتى نهايتها، فربما تُستتبع هذه المرارة بحلاوة تحقيق ما جاء من أجله.
«كاشف» اليوم في لبنان منذ 4 أشهر. أُلقي القبض على أحد أصدقائه وسُجن 40 يوماً، ثلاثون منها عقوبة دخوله خلسة إلى البلاد، والعشرة الباقية كانت بدل غرامة 100 ألف ليرة، فضّل أن يُسجن على أن يدفعها. وقد أُعيد ترحيله إلى السودان. أما «كاشف»، فيعمل ناطوراً في أحد المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأما أحلامه وآماله فقد نسيهما، لكنه سيبقى في لبنان حتى يوفّر المبلغ الذي استدانه قبل مجيئه. سيعود «كاشف» إلى السودان ليعمل في أرضه، فالسودان أجمل من لبنان بمرّات، بحسب رأيه، «على الأقل هناك الكثير من المانجو».