رامي زريقلقد أصبح من الضروري إعادة النظر بسياسة لبنان الزراعية (إن وجدت)، إذ إن التنبؤات تشير إلى تفاقم الأزمة الغذائية العالمية. وقد كتب العديد من الخبراء الزراعيين والاقتصاديين خلال الأشهر الماضية عن خصائص القطاع الزراعي اللبناني ومعاناته. علم منهم القارئ المهتم بالموضوع، والذي يراقب برعب ارتفاع سعر صحن الفول، أن إحدى المشكلات المهمة (إن لم تكن الأهم) التي تواجه القطاع الزراعي اللبناني هي تفتيت الملكية الزراعية، إذ إن 53% من الحيّزات الزراعية تقل مساحتها عن 5 دونمات، مما يحدّ، حسب رأيهم، من الجدوى الاقتصادية للعملية الإنتاجية. ويعزو الخبراء هذا الوضع إلى محدودية الأراضي الزراعية التي تتجزأ وتتفتت بسبب التوارث فتتعذّر زراعتها. قد يكون هذا الوصف للواقع صحيحاً في بعض الأحيان، إلا أن هذا التحليل يغفل ثلاثة وقائع أساسية: أولها أن الدراسات التي تقارن بين جدوى الإنتاج على حيّزات كبيرة أو صغيرة تشير بالإجماع إلى تفوق الإنتاجية في الحيزات الصغيرة، وخاصة إذا اعتمد المزارع تقنيات حديثة تتناسق مع المبادئ البيئية.
أما ثانيها، فهي أن الجزء الأكبر من المزارعين لا يعتمد على الزراعة إلّا جزئياً، أي كمورد مكمّل لدخلهم، ممّا يقلّل من أهمية حجم الحيّز الزراعي. أما الواقع الثالث (وهو الأهم) فهو أن لبنان يعاني مما يسميه المختصون «تشعّب الملكية الزراعية»، حيث إن عدداً صغيراً جداً من المواطنين (لا يتعدى 0.1%) يملكون 50% من الأراضي الزراعية، بينما يتقاسم الباقون النصف الآخر. وقد أشارت دراسات عديدة إلى أن هذه الازدواجية هي السبب الأساسي لفشل مشاريع التنمية الزراعية ودعم المزارعين، إذ إن الأمر ينتهي دائماً بكبار يأكلون حصة الصغار. وهذه طبعاً حالة غير مألوفة في لبنان!