كميل داغر *أيّتها اللبنانيّات، أيّها اللبنانيّون...
كما تلاحظون، فنحن وإن كنا مضطرين، دستورياً، لمخاطبة المجلس النيابي، تحديداً، في كلمة ندلي بها أمامه لنيل الثقة، إنّما نتوجه إليكم جميعاً، عبر ما يمكن أن نصفه هذه المرة بالبيان التأسيسي، مع أننا، من الناحية الشكلية، لسنا مكلفين بمهمة كهذه. نقول إنّنا نتوجه إليكم، وذلك بالضبط لأن ما يتضمنه بياننا هذا سوف يواجه على الأرجح معارضة شعواء من كل القوى، المحلية والخارجية، التي طالما جعلت بلدنا ساحة لصراعات لا علاقة لها بتاتاً بالمصالح الفعلية للغالبية الساحقة من بينكم، ومفتوحة باستمرار على احتمالات الانفجار التي تطورت مراراً إلى الأسوأ بين الانفجارات، وأشدّها كارثية، عنينا الحروب الأهلية. ولأجل ذلك، فنحن نستنهض لديكم، إذ نقدم برنامجنا هذا، إرادة المواجهة والتصدي، بحيث نتمكن بعونكم، وبدعمكم، من إحباط تلك المعارضة وما سوف يلازمها من دسائس وهجمات، وندعوكم، في آنٍ، لممارسة شتى الأشكال الديموقراطية من الضغط، لإقناع المجلس النيابي بالتصويت لمصلحة هذا البرنامج. وهو برنامج مقتضب، كما سترون، أردنا أن نضمّنه العناوين الأهم لعملية إنقاذ بلدنا من المصير القاتم الذي يتهدّده. تبدأ بسدّ الفجوة الأشد خطورة، التي تفصل بينكم، والمتمثلة بالبنيان الطائفي والمذهبي المقيت للدولة والمجتمع اللبنانيين، وبغياب قانون ديموقراطي حقيقي للتمثيل السياسي، وتمر بإنضاج حل متقدم للمشكلة الاجتماعية ـــ الاقتصادية، وصولاً إلى المعالجة السليمة للقضية الوطنية، وفي إطارها لمسألة المقاومة وسلاحها.
أولاً: في الطائفية والتمثيل السياسي
ايماناً منا بأن الأمل الوحيد في أن يكف هذا البلد عن الانزلاق في منحدر التمزق والزوال يكمن في إنجاز العلمنة الشاملة للدولة والمجتمع اللبنانيين، نعتقد أن لا مناص بالتالي من الشروع الآن، في تنفيذ ما نصّ عليه اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية التي أعقبته، على صعيد فصل الدين عن الدولة، وفي إعادة الاعتبار لمشروع اعتماد الزواج المدني الاختياري، بانتظار الإقرار النهائي بعد ذلك لقانون مدني مكتمل للأحوال الشخصية. وكامتداد لهذه السيرورة، وبالتلازم معها، سوف يتمثل أول مسعى لدينا، لتجاوز بؤس الصفقة التي انعقدت في الدوحة بخصوص قانون الانتخابات النيابية، في إنتاج قانون ديموقراطي متقدم حقاً، يقوم على التمثيل النسبي غير الطائفي ولبنان دائرة واحدة، والحصة النسائية التي لا تقل عن 30 في المئة من المقاعد النيابية، وسنّ الـ18 للانتخاب، والسقف الأقصى للنفقات الانتخابية، وقمع الرشوة وشراء الأصوات، والاقتراع في مكان السكن، وما إلى ذلك من شروط التمثيل السياسي الديموقراطي.
ثانياً: في المسألة الاجتماعية ـــ الاقتصادية
إنّنا لَنُدركُ بعمق مدى الظلم والإجحاف اللذين ألحقتهما الحكومات التي سبقتنا بأوسع نسبة من المواطنين، من عمال وفلاحين، وعاطلين عن العمل ومهمّشين، وحرفيين ومنتجين صغار آخرين، وغيرهم من المنحدرين إلى الفقر، وما دونه، المقتربين في أحيان كثيرة من مستوى المجاعة. وقد قررنا في استجابة ولو متأخرة لتطلعاتكم وآمالكم، أن نضرب عرض الحائط بما كانت خططت له حكومات سابقة على امتداد العقدين الأخيرين، ولا سيما تلك التي سبقتنا مباشرة، وكانت قد أعلنت عما سمته ورقتها الإصلاحية للاقتصاد اللبناني، التي تمثّل، فيما لو وُضعت موضع التنفيذ، كارثة وطنية حقيقية. على أن نعتمد عوضاً من ذلك، برنامجاً مختلفاً تماماً، هذه هي بعض بنوده الأساسية:
ـــ الاستجابة لمطالب الاتحاد العمالي العام بخصوص الحد الأدنى للأجور، والتطبيق الصارم لمبدأ السلّم المتحرك للأجور، فضلاً عن ضمان ديمومة العمل، واعتماد سياسة اجتماعية ـــ اقتصادية من شأنها وضع حدّ للبطالة ووقف نزيف الأدمغة.
ـــ الحؤول دون المضي في الخصخصة، والسعي الحثيث لحماية القطاع العام، وإخضاعه لرقابة مشددة يشارك فيها العاملون فيه، فضلاً عن المحاسبة الصارمة لكل حالات الفساد والهدر في شتى الإدارات والمؤسسات.
ـــ اعتماد الضريبة التصاعدية على الدخل، ولا سيما على أرباح المضاربات المالية والعقارية وإنزال أشد العقاب بالتحايل والتهرب من الضريبة من جانب أرباب العمل وأصحاب المهن الحرة والتجار وغيرهم من أصحاب الدخول المرتفعة.
ـــ وقف الاستدانة، وفرض تحقيق شامل ونزيه لكشف حقيقة صرف عشرات المليارات من الدولارات المستدانة في العقدين الأخيرين. فضلاً عن استعادة الأملاك البحرية وغيرها من الأملاك العامة من مستثمريها غير الشرعيين الحاليين، بعد إجراء تسوية لمصلحة الخزينة، تأخذ بالاعتبار الأرباح المحققة سابقاً من استثمارها.
ـــ المضي في استكشاف وجود كميات من النفط والغاز في المياه الإقليمية لأجل استخراجها، ووضع أسس صناعة نفطية تملكها الدولة وتتشارك مع العاملين فيها في تسييرها، وفقاً للالتزام بشروط حماية البيئة والبحر من التلوث.
ـــ التسليف بفائدة منخفضة للمزارعين، وتنظيم نزيه لتصريف المنتجات الزراعية، وإنشاء السدود المدروسة، وحماية حقوق لبنان الكاملة في مياهه.
ـــ تنفيذ برنامج متقدم لحماية الطبيعة، ومصادر المياه، والغابات، ووقف المرامل والكسارات نهائياً، والمكافحة الفورية للحرائق، وإنزال العقاب الصارم بمفتعليها.
ثالثاً: في القضية الوطنية والسلاح المقاوم
إن هذه الحكومة، إذ تدرك بعمق أن الخلاف الذي تفاقم في السنوات الثلاث الأخيرة، وقسّم البلد بصورة خطيرة بخصوص الصراع مع إسرائيل وقضية المقاومة وسلاحها، يخدم بالدرجة الأولى العدو الصهيوني والقوى العالمية التي تؤمّن الدعم والحماية غير المشروطة له، وفي مقدمتها الإدارة الأميركية، تدرك في الوقت نفسه أن هذا الصراع لن ينتهي، حتى في حال استعادة مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا، بل هو مرشح للاستمرار ما دامت إسرائيل قائمة كدولة عنصرية استيطانية وتوسعية، مع ما يلازم ذلك من أطماع، سواء بخصوص لبنان ومياهه وأراضيه، أو بخصوص ما بقي من فلسطين في أيدي أبنائها الأصليين، ومن حرمان للاجئين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في العودة إلى أرضهم وأملاكهم في وطنهم التاريخي.
ولأجل ذلك، فإن هذه الحكومة على يقين تام بالحاجة القصوى لاعتماد استراتيجية دفاعية متقدمة، تجمع إلى بناء جيش وطني مجهّز بأحدث الأسلحة ومدرب عليها أفضل تدريب، وجود مقاومة وطنية قادرة على خوض أشكال القتال الشعبي على اختلافها. وهي مقاومة يفترض أن تكون مفتوحة أمام كل المواطنين.
* كاتب ومحامٍ