محمد العربياعذريني يا سيدتي، فلن أكتب اليوم فيكِ شعراً من الغزل. اعذريني يا سيدتي، فإن ما يعتصرني جبل من الغمّ وبحر من الملل، مذ وعيت على هذه الدنيا وأنا لا أرى من أمة الأعراب إلا كلاماً يطير في الهواء وأناشيد تبدأ بالقول ولا تنتهي بأي عمل. من نكسة زهرة المدائن إلى غزو سيدة العواصم، وصولاً إلى تكريس الأقدام في بلاد الرافدين... فكأنما الظاهر يا سيدتي أن قوم الأعراب قد نسوا دينهم وتاريخهم وأصبحوا كالرجل المخصي المحروم من أكل العسل وكمَن ارتضى الدخول في شركة مع الذل دون تحديد وقت معلوم وبلا أجل. أو كالذي ينتظر من العوسج تيناً أو من أشجار الصبّار ورداً ويرى نفسه في عينيه شامخاً لا تهزّه الأعاصير مهما تعاظمت ومهما كثر من حوله الخَطْبُ والجلل. لكنه يا سيدتي وأقسم على ذلك، ليس إلا مسخاً في هيئة إنسان لم يخلق إلا ليعيش تحت النعل.
وما عساي أقول بعد كل ما ذكرته يا سيدتي؟ لقد جفّت المحابر في يدي، ونضبت كل الكلمات وتبعثرت كل العبارات. لماذا؟ وتسألينني لماذا؟ لأن الموتى بكل بساطة يا سيدتي هم فقط مَن لا يسمعون النداءات ولا يستجيبون لكل الإيمائات والحركات... ولكني رغم كل ذلك لن أيأس يا حبيبتي، ولن تتعب شفتاي من قراءة الأشعار، ولن تتوقف يداي عن كتابة الجمل، وسأبقى أنتظر علّني أجد في آخر هذا النفق الطويل بريقاً من نور وفسحة من أمل.