تعدّ كلفة التخابر الشكوى الأبرز للبنانيين من الهاتف الخلوي، إلا أن شكوى أخرى لا تقلّ أهمية بدأت ترتفع وهي غياب تغطية شبكتَي الهاتف لكثير من المناطق اللبنانية. الشركتان العاملتان في لبنان لا تقدّمان إجابة شافية عن سبب غياب الإرسال، وتحيلان على الوزارة التي تؤكد مصادرها أن هذا الملف يمثّل أولوية عملها
رنا حايك
شارع الحمرا خال على غير العادة. يتساءل حسن عن السبب وفكرة واحدة تشغله: «معقول يكون صار انفجار؟».
حتى يتأكد، يرفع جهاز الخلوي ويطلب رقم صديقه الذي يجلس إلى جانبه في المقهى. فقد اعتمد اللبنانيون، في الفترة السابقة، هذه الطريقة ليتأكدوا من حدوث الانفجار الذي كان يقطع الإرسال مباشرة.
إلا أن انقطاع الخطوط ليس حالة استثنائية تتعلق بحدوث الانفجار، بل هي حالة تتكرّر في مناطق كثيرة من لبنان أصبحت مشهورة بعدم تمتّعها بالتغطية بتاتاً، كبعض المناطق في عكار، أو بالتغطية الضعيفة التي تحظى بها، كطريق المطار مثلاً، بمحاذاة السفارة الكويتية.
في الجبل تتفاوت قوة الإرسال، وتضعف كثيراً في مناطق مثل عاليه سوق الغرب، كيفون، شملان، بيصور والشحار. وفي البقاع، هناك مناطق ينقطع فيها الإرسال تماماً مثل قرى شرقي زحلة، حيث تغيب تغطية «أم تي سي» تماماً عند مثلث قوسايا، دير غزال ورعيت. أما المناطق التي تقع في منخفضات وأودية، فيصبح الإرسال ضعيفاً جداً فيها بالنسبة إلى الشبكتين. كذلك هو الأمر في عكار، ما دفع بالكثيرين من أهالي الشمال في فترة من الفترات إلى الاشتراك في خدمة الهاتف الخلوي السورية «سيرياتل» لانخفاض تكلفتها وقوة إرسالها، وهو ما حدا بوزير الاتصالات السابق إلى تركيب أجهزة تشويش وفصل على الحدود الشمالية!.
أما في الجنوب، فيتداخل الأمني مع المدني حتى يصعب تحديد السبب فلا يبطل العجب... منطقة عمل قوات الطوارئ في الجنوب لا تعرف للإرسال طعماً. في بعض القرى، حتى تلك البعيدة عن قوات الطوارئ، ينهك ضعف الشبكتين الأهالي ويستنزف أموالهم بسبب الانقطاع المتكرّر للخط عند كل اتصال يقومون به.
محمد يقتطع النسبة الأكبر من ميزانيته الشهرية للمواصلات وللهاتف الخلوي، يشحن الوحدات فـ«تطير بعد يومين» لأن «الدقيقة بخمسين سنتاً».
فاطمة، موظفة في القطاع العام اضطرت إلى شراء هاتف لابنها الوحيد الذي بلغ 14 عاماً في سبيل الاطمئنان إليه خلال فترات غيابه عن المنزل. لا يسعها تركيب خط ثابت في منزلها لأنها مستأجرة، فكانت النتيجة 3 هواتف خلوية يحملها أفراد الأسرة في سبيل الاطمئنان بعضهم إلى بعض: «لا نستخدمه إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك يكلفني ميزانية تبلغ 30% من مدخولنا. تكلفة التخابر غالية رغم أن الخدمة التي نحظى بها سيئة، فالإرسال ضعيف جداً».
ليس الخلوي للاطمئنان فقط، فأحياناً يكون له دور أكبر، وتتعلق به مسائل قد تصل إلى حد الحياة والموت، فمنتهى، القابلة القانونية، تعمل ساعات طويلة في مستشفى الزهراء في منطقة الجناح المشهورة بانقطاع الإرسال عنها. يتعذر على مريضاتها الحوامل الاتصال بها عند أي طارئ رغم أنها لا تقفل هاتفها أبداً، إلا أن نوباتها في مستشفى الزهراء تقطعها عن العالم وعن مريضات قد يحتجن إليها في أيّ دقيقة. خط منتهى ثابت، و«أحكام الضرورة» التي تلبّيها تكلّفها مبالغ باهظة، إذ تؤكد أن «الفاتورة نهب علني. فرسوم الاشتراك تبلغ 33$ قبل إجراء أي مكالمة. وهي رسوم لا تضمن التغطية الجيدة للشبكة ولا الخدمات المسّهلة للتخابر».
حاول المستهلك اللبناني في آب 2007 الاعتراض على حقه المهدور في مجال الاتصالات الخلوية، وقامت «الحملة الوطنية لخفض تكلفة الخلوي» بتحركات متنوعة فجمعت التواقيع على عريضة، وتوصلت إلى جعل أكثر من 400 ألف مشترك يقفلون هواتفهم لساعات معيّنة على سبيل المقاطعة، لكنها لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة.
أكّدت مديرة العلاقات العامة في «أم.تي.سي»، غادة بركات، أن الشركة «تقوم بواجباتها في تغطية جميع المناطق الجغرافية اللبنانية من دون تفرقة وفي حدود الإمكانيات المتوافرة لها، فوسعت نطاق تغطيتها ليشمل 98.5% من الأراضي اللبنانية عبر إضافة 85 موقعاً جديداً للإرسال في مختلف المناطق اللبنانية». أما التشويش الذي يشكو منه المواطن، فهو «يتأتّى من مصادر خارجة عن نطاق الشبكة بما في ذلك أجهزة التردّد اللاسلكي المتوافرة في السوق المحلي (ولا سيما تلك غير المرخص لها)، إضافةً إلى مصادر أخرى متعدّدة». وفي ما يخص كلفة التخابر العالية، فالطريقة الوحيدة لخفضها تكون عبر «تحرير السوق وفتح المجال أمام المنافسة الحقيقية من خلال الخصخصة، إذ إن قضية التسعير ليست من اختصاص الشركة حسب العقد الموقع بينها وبين وزارة الاتصالات، ويعود أي قرار في هذا المجال والموافقة عليه إلى مالك الشركة أي الدولة اللبنانية».
جاءت إجابة شركة «ألفا» في السياق ذاته، إذ أكدت مديرة العلاقات العامة فيها، ألين خلف، أن «هذه الأسئلة عن سوء الخدمة وارتفاع التكاليف يجب أن تسأل لوزارة الاتصالات لا للشركة المشغلة، لأن الدولة اللبنانية هي المالك للشركتين».
في الوزارة، أكّد الوزير الجديد، جبران باسيل، على لسان ممثّله لدى شركات الخلوي جيلبير نجار، أن تغيير الأسعار أمر ليس بالسهل لأن مدخول الاتصالات يمثّل 43% من مدخول الدولة، إلا أن الوزارة «تتجه نحو اتخاذ خطوات جدية لتوسيع الشبكات وتحسين أدائها ولدراسة إمكانات خفض التكلفة على المواطن، رغم أن موضوع الخصخصة لا يزال مطروحاً. وقد أوعزت للهيئات المختصة بمباشرة الدراسات الفنية لاحتواء الأزمة التي فاقمها ازدياد الطلب على الخطوط، وبالتالي ارتفاع الضغط على الشبكة».
ولتوسيع الشبكة الأولوية إذ إن خفض التكلفة سوف يؤدي إلى ازدياد الطلب الأمر الذي لن تتحمله الشبكة الحالية. إلى حينها، لا يسع المواطن سوى الانتظار.