تحول سلسلة من العوائق المتشابهة، في جميع البلدان العربيّة دون ابتكار آليّة الحلول لمعالجة أزمة الغذاء في لبنان. من أهم هذه العوائق قضية الهيكليّات الإنتاجيّة. فقد أسهم تخلّي الحكومات عن الاهتمام بالقطاع الزراعي، إلى بروز مشاكل جذريّة أدّت إلى عدم فعّاليّة هذا القطاع، وإلى تراجع الإنتاج نتيجة نزوح المزارعين نحو المدن. ففيما تزداد حدّة أزمة الغذاء في العالم بسبب زيادة الطلب في العديد من الدول النامية والاضطرابات الواقعة في الأسواق الماليّة ومنافسة الوقود الحيوي للمحاصيل، يحاول لبنان معالجة ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة من خلال سياسات آنيّة قائمة على الدعم الحكومي المباشر وعلى رفع الحدّ الأدنى للأجور للقطاع العام. ولكن طابع هذه التدابير هو آني، بينما تبرز الحاجة إلى إجراءات جذريّة تكمن في التخلّي عن الوصفات المؤديّة إلى إهمال القطاع الزراعي الحيوي، من أجل بلورة خطط استراتيجيّة لإعادة الأمن الغذائي المفقود.وفي إطار المشكلات المتفاقمة التي تطال القطاع الزراعي في لبنان، نظمت الأسبوع الماضي ثلاث ندوات عن أزمة الغذاء في الوطن العربي، ومشكلة القطاع الزراعي اللبناني وانعدام الإرشاد الزراعي الضروري لتنمية هذا القطاع وتطوره، إضافةً إلى ورشة عمل عن موضوع التجارة العادلة وانعكاساتها على العاملين في القطاع الزراعي في البلدان النامية. سعت هذه النداوت إلى إضاءة شمعة في ظلمة الإهمال الرسمي التاريخي للزراعة في لبنان، فهل تكون هذه المحاولات مؤشراً إيجابياً إلى بدء عملية تنفيذية نابعة من المجتمع المدني في إطار تكوين قوة ضغط على القرارات الرسمية المنحازة ضد جميع القطاعات الإنتاجية في لبنان؟ أم تبقى كما سابقاتها حبراً على ورق؟
فقد نظم المنتدى الاقتصادي الشبابي ورشة عمل عن «مشروع تفعيل الإرشاد الزراعي ــ الاستيراد والتصدير». وشرح وزير الزراعة في حكومة الظل الشبابية وعضو المنتدى رمزي التينة ما توصلت إليه مجموعة المنتدى التي تعمل على المشروع فقال: «إن قطاع الغذاء الزراعي يؤمن: حوالى ٧٪ من الدخل الوطني، ويشغّل ما بين ٢٠ ٪ و٣٠ ٪ من العمالة ويمثّل حوالى ١٧ ٪ من قيمة الصادرات».
وبعد تحديد المشكلات في القطاع الزراعي، سيعمل المنتدى الاقتصادي الشبابي على إطلاق كتيب تنشر فيه الدراسة ويعمّم على سائر النقابات الزراعية وجمعية المزارعين اللبنانيين من أجل التوعية ونشر الأفكار الإصلاحية في هذا القطاع. كما سيتم التعاون مع طلاب كلّيات الزراعة من أجل فتح المجال أمامهم لناحية تفعيل الإرشاد الزراعي من خلال تأمين تدريب مع إشراف فنيّ.
كما نظّمت ندوة عن «أزمة الغذاء في الوطن العربي»، شدّدت على الأنماط الاقتصادية السائدة في الدول العربية من ناحية غلبة الهيكليات الريعية ــــ النفطية على النظم الاقتصادية السائدة، ما أنتج مشاكل جذريّة أدّت إلى عدم فعاليّة قطاع الزراعة، وإلى تراجع الإنتاج نتيجة النزوح نحو المدن، وإلى وجود بيئة غير ملائمة للزراعة بسبب شحّ المياه، وإلى عدم فعاليّة قطاع الطاقة، وإلى وجود تركّزات واحتكارات حيث يتحكّم عدد محدود من المصنّعين والتجّار في الأسواق ويحدّدون هوامش الأرباح. وتطرق المحاضرون إلى عدم دقة التقسيم القائم على فئتي البلدان النفطيّة وتلك غير النفطيّة، لدى التطرّق إلى أزمة الغذاء. فالخطر الأبرز يكمن في المجتمعات ذات الكثافة السكّانيّة الكبيرة، حيث لا توجد ثروة من الموارد الطبيعيّة، وهكذا فإنّ الجهود العربيّة يجب أنّ تتركّز على كيفيّة مساعدة تلك البلدان.
من ناحية أخرى، نظمت مجموعة «الأبحاث والتدريب للعمل التنموي»، بالتعاون مع منظمة دلتا ندوة تحت عنوان «التجارة العادلة ـ الفرص والتحديات للتعاونيات النسائية الريفية»، تمحورت حول توضيح مفهوم التجارة العادلة الذي يقوم على تسويق منتجات مزارعي الدول النامية وحرفييها في أسواق الدول الكبرى، على أن يدفع المستهلك حوالى 15 في المئة زائدة عن قيمة المنتج لمساعدة المنتجين، إضافة إلى تقليص عدد الوسطاء بين المزارع والمستهلك بهدف زيادة أرباح الأول. وعلى الرغم من أن التجارة العادلة ليست سوى «بنج» موضعي لا يمكن أن يحل أزمة قطاع يعاني ما يعانيه في لبنان، إلا أن المحاضرين حاولوا التركيز على ايجابيات هذا النوع من التبادل التجاري الذي وصفوه «بالعادل»، وذلك من دون التطرق إلى أزمة عكسية من الممكن أن تنتج من التجارة العادلة، منها التقاعس في المطالبة بتنشيط هذا القطاع ودعمه، والتركز أو الاحتكار التصديري الذي من الممكن أن ينتج من خفض عدد الوسطاء بين المزارعين والمستهلكين.
(الأخبار)