غسان سعودفيما يستأثر الملف الحكومي الاهتمام، بدأت ماكينات القوى والأحزاب السياسيّة تعد عدّة ما بعد تأليف الحكومة التي، اعترف الزعماء أو أنكروا، لن تكون بالأهميّة التي يتوقعها البعض لسببين. الأول، أن قانون الدوحة الانتخابي بات في حكم المحسوم، وكان يفترض أن يكون الاتفاق على القانون الانتخابي في سلّم أولويات أيّة حكومة جديدة. والثاني أن الخدمات الوزارية ستكون بلا معنى في ظل الإغراق المتوقّع للسوق بالمال السياسي عشية انتخابات الـ 2009 النيابيّة.
والفريقان اللذان اختلفا على كل شيء تقريباً في السابق يتشاركان هذه المرّة العنوان العريض الذي سيركزان عليه في المرحلة المقبلة، وهو الملف الاقتصادي. إذ هبّت بموازاة الريح الانتخابيّة، ريح ما يعانيه الناس منذ أعوام، وتأكدت الماكينات من أن الـ100 دولار ما عادت تقدم نيابة هذا أو تؤخّر نيابة ذاك.
ويرى أحد نواب المعارضة المتنيين أن العنوان الأهم بعد بت تقسيمات قانون الانتخابات الإداريّة، وأخذ الاقتراحات الإصلاحيّة التي قدّمتها اللجنة الوطنيّة للانتخابات في الاعتبار، هو الملف الأمني. فلا يمكن أن تبقى الأمور على حالها، يقول النائب، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات تعيد ثقة المواطنين باستقرار وطنهم. وإلى جانب الأمن، هناك الملف الاقتصادي ــــ الاجتماعي، يتابع النائب، فلا يمكن أحداً القبول باستمرار الأزمة التي يئن منها المواطنون.
و«يفترض الشروع في تطبيق إصلاحات باريس 3». وبالنَفَس نفسه يقول النائب الأكثري هنري حلو إن الجهد سيتركز بعد تأليف الحكومة على البند الاقتصادي «الذي يجمع سياسيي الوطن مهما اختلفت وجهات نظرهم». وفي رأي حلو أن «العمل الجدّي يتركّز هناك، حيث أوضاع الناس صعبة وتتطلب معالجة حقيقيّة».
على هامش كلام النائبين، يعود أحد المتابعين إلى الملف الحكومي ليجزم بأن الذكي هو من يترك الحقائب، ويبدأ الإعداد لمعارضة تمهد لتغيير وإصلاح انتظرهما الناس، عبثاً، قبل ثلاث سنوات، مشيراً إلى أن رفع الأكثرية عنوان الإصلاح سيكون مضحكاً لأنها تتحمل المسؤولية الكبرى عن البؤس والفقر، والمواطنون ما زالوا يذكرون وعود الحريري الربيعيّة.
أما المعارضة، يقول المتابع نفسه، فليست أفضل حالاً، ولا صدقيتها في موضوع الإصلاح أكبر (وخصوصاً في ظل وجود بعض أقطاب الفساد ضمن صفوفها).
وقد اختبر الناس جيداً كيف تستنفر المعارضة أعلى جهوزيتها إذا حصل أي مس سياسي بها، ولا تتحرك قيد أنملة مهما كانت إجراءات الحكومة الاقتصاديّة، حتى لو وصل الأمر بالأخيرة إلى حدِّ إطلاق النار على مواطنين يطالبون بالكهرباء، وقتلهم في الشوارع.
إضافة إلى أن هذه المعارضة، وضمنها تكتل «خلّي الإصلاح أمامك والفساد وراءك»، شنّت أعنف حملة سياسيّة على الحكومة في تاريخ لبنان، لكنها لم تكلّف نفسها عناء البحث في ملفات وزارات الاتصالات والأشغال العامة والعمل وغيرها لإثارة قضايا الفساد، ولم تقدم ملفاً واحداً عن إهدار في إحدى الإدارات الرسميّة، ولم تسع إلى محاسبة مختلس أو سارق واحد، وطبعاً لم تقدم أي اقتراح يتعلق بمشروع اقتصادي اجتماعي جديد.
وبالعودة إلى السياسة، وكيف سترد المعارضة على هجوم الأكثرية من زاوية انتفاء مبرر وجود سلاح المقاومة، يرى النائب المعارض أن الهجوم سيقف عند حدود الحوار الذي يفترض برئيس الجمهورية أن يجريه، مؤكداً ضرورة وضع هذا الملف على جدول الأعمال في الوقت المناسب «بعد أن تقف الدولة على قدميها».
فيما يرى حلو أن الأكثريّة ستستعيد في إدارتها للحملة الانتخابيّة عنواناً قديماً هو «أي لبنان نريد» وحوله طبعاً يمكن رسم أسئلة كثيرة.
وبموازاة كلام النائبين، يحكى في الأوساط السياسيّة أن المعارضة، إن حصلت الانتخابات في موعدها، ستكون أمام أزمة حقيقيّة من حيث استنباط العناوين القادرة على تجييش الناس مرة أخرى وإقناعهم بمطاردة حلم ما، ليس فقط عند التيّار الوطني الحر الذي استهلك خلال 3 سنوات أكثر من أربعة عناوين ضخمة (الفساد، المعتقلون في سوريا واللاجئون إلى إسرائيل، الشراكة، التوطين)، بل عند حزب الله أيضاً الذي يفترض أن يبتكر ما يبقي العصب حيّاً في التفاف الناس حوله، وطبعاً عند معارضي الشمال والبقاع الغربي الذين لم يجدوا بعد ولو عنواناً واحداً يعني شيئاً لجمهور مناطقهم.
وفي المقابل ستكون بعض قوى الأكثريّة، وخصوصاً المسيحيّة وسطها، مرتاحة في خطابها السياسي. ويقال في حزب الكتائب مثلاً إن الرئيس أمين الجميّل في تصعيده الحاد ضد حزب الله إنما كان يرسم مسوّدة أولى لمعالم خطابي الكتائب والقوات اللبنانيّة اللذين قد يجدان نفسيهما وحيدين في طرح موضوع حزب الله كمادة سجاليّة، محاولين مرة جديدة جمع الناس حولهما كمدافعين عن المسيحيين من خطر سلاح الحزب ومشروعه، والرهان على هذا كبير في الأوساط القواتيّة أيضاً التي سرعان ما تلمّح إلى الحزب حين تسأل عن خلفيّة ارتياح القوات لنتائج الانتخابات المقبلة.