strong>يتحضر أركان المعارضة المسيحيّة لإطلاق تجمع سياسي جديد، بعد التطورات التي شهدها المسيحيّون عقب خروج الجيش السوري، وما تعيشه ضفتا التفاعل الإسلامي من تداعيات منذ الانتخابات الأخيرة. لذا بات ضرورياً قبل الانتخابات المقبلة تلاقي القوى ذات الانتماء الفكري المتقارب، لتجسيده في لقاء يحدد معالم التفاعل المسيحي بعد ربيع 2005
أنطون الخوري حرب
يتحرك رئيس حزب الكتائب السابق، كريم بقرادوني، في المراحل الأساسية على الساحة المسيحية ليحقق طموحاته الفكرية المتعلقة بموقع المسيحيين في لبنان بين الطوائف وفي الشرق عموماً. ويتساءل كثيرون عن سر تحركه الهادف إلى تأسيس جبهة مسيحية جديدة، وقد بات معروفاً أنه محركها ومنسق اجتماعها الأول الذي عقد باسم «التجمع الوطني المسيحي».
يكشف بقرادوني أن الهدف الأول من هذا التجمع هو الانتخابات النيابية المقبلة التي يجب أن يسبقها تنظيم المعارضة المسيحية، وتوسيعها لضم من يريد أن يصبح جزءاً منها، كالوزير السابق فارس بويز على سبيل المثال، مشيراً إلى أن فوز هذه الجبهة المسيحية الجديدة بالانتخابات أمر مؤكد سيقلب الموازين ويعيد تكوين السلطة.
ويذهب في تحليله للاستنتاج أن المسيحيين قبل الطائف هم غيرهم بعده، فقد انتقلت صلاحيات الرئيس المسيحي (الماروني) إلى المسلمين، والسنّة منهم تحديداً. وبات المسيحيون ثلاثة أقسام: الأول يفكر بمنطق ما قبل الطائف، معتبراً بكفيا عاصمة لبنان، كالرئيس أمين الجميل، والثاني يرى التحالف مع قوة غربية ضرورياً لاسترداد ما فقد من صلاحيات مسيحية كسمير جعجع، فيما كان هذا الفريق هو الذي وقف وراء نزع الصلاحيات المسيحية في الطائف. أما الثالث فقد استوعب التحولات، ويحاول إعادة تحقيق توازن داخلي، بدءاً بالمواقع الداخلية عبر قانون الانتخابات الذي يجب أن يستكمل باعتماد اللامركزية الإدارية وإشراك المغتربين.
وينطلق بقرادوني في شرح الاستراتيجيا المطلوبة للتجمع من واقع تحديد قوة المسيحيين اللبنانيين، بكون لبنان ذا وجه مسيحي، كما أرسته صيغة 1943 بديلاً من النموذج الإسرائيلي، لكنه ليس دولة مسيحية.
هذا على المستوى السياسي، أما المشاكل الاقتصادية والديموغرافية، فلا يمكن معالجتها بمعزل عن الحل السياسي ككل. ويتعزز أمل بقرادوني في تحقيق قناعاته انطلاقاً من اعتراف كل اللبنانيين والعرب بالخصوصية اللبنانية (الرئيس المسيحي)، لكونها صيغة سياسية بدأت بكثير من التساؤلات وانتهت بكثير من الصدقية التي حافظت على لبنان حكماً مسيحياً وحيداً في المنطقة. وللمسيحيين فيه مصلحة حيوية بوجود استراتيجية موحدة بين طوائفه، مهما اختلفوا في ما بينهم بالتكتيك. كما للمسلمين فيه مصلحة استراتيجية بالحفاظ على وجهه المسيحي للمحافظة على سيادته واستقلاله. ولتحقيق هذه المعادلة، فإن واجب المسيحيين في محيطهم هو تبني قضايا العرب، وفي مقدمها قضية الصراع مع إسرائيل، كما فعل الرؤساء شمعون وشهاب وفرنجية وسركيس. وتمثّل مواقف العماد عون والوزير فرنجية رافعة لهذا التوجه اليوم. وهنا تصبح قوة المسيحيين في مناخ عربي ينظر إلى الرئيس المسيحي نظرته إلى الرئيس القومي والوطني في لبنان. وقد جسده إلى حد بعيد الرئيس السابق أميل لحود».
وهذا لا يعني أن لبنان الملتزم عربياً يجب أن يفتش عن عداوة الولايات المتحدة والغرب، بل عن صداقتهما،لأن العداء معهما يضرّ به وبمسيحييه، «لكن مثل هذه الصداقة يجب أن لا تحول دون دعمنا للمقاومة، دون أن تضرّ بعلاقتنا بالأميركيين والغرب». أما في العلاقات الداخلية، فإن حرص المسيحيين على الحقوق الاجتماعية للمسلمين يمكّنهم من دفع المسلمين للدفاع عن حقوقهم. وإذا ما وجد خلل طائفي في الدولة على حساب طائفة إسلامية، فعلى المسيحيين أن يطالبوا بتصحيحه. والمدافعة هنا تكون وطنية وليست طائفية، والمعادلة الاستراتيجية هي في الحفاظ على هذا التوازن. ومن هنا سبقت كلمة وطني كلمة مسيحي في تسمية اللقاء. لأن بقاء الدور الوطني المسيحي هو مسؤولية مسيحية، والمسيحي يحمي نفسه بهذا الدور، لا بالانعزال. وهذا يحتاج إلى توعية وتثقيف.
ويرى بقرادوني أن لبنان قام بوجه عربي كما أعلن مرة تقي الدين الصلح، وهذا يعني أن له وجهاً آخر هو الوجه المسيحي، وهذا يدل على تقدم المسلم اللبناني على مسلمي العالم، والسبب هو الديموقراطية التي يوفرها النظام اللبناني. فالمواطن هنا يدافع عن حريته قبل لقمة عيشه. وهذا الواقع يحمّل المسيحيين مسؤولية دورهم في العالم العربي والإسلامي، فهم نهضويو العالم العربي. ويرتكز هنا على الإرشاد الرسولي الذي حدد دور المسيحيين بتفاهمهم مع المسلمين وتحويل هذا التفاهم إلى نموذج للعالم العربي.
ويخلص إلى التأكيد «أن الهدف البعيد لمشروعنا هو تحقيق الدولة المدنية. فصيغة 1943 كانت متقدمة على المحيط، ويجب أن نحافظ عليها للانتقال إلى حالة مستقبلية تسمح بالزواج المدني الاختياري، أي تطوير قانون الأحوال الشخصية الذي ينقل لبنان إلى صيغة الدولة المدنية التي ستنقل معها واقع العالم العربي الذي سيواجه هذه العدوى بدايةً، لأن الناس بطبيعتهم محافظون. وهذه معركة طويلة المدى، وعندما يبدأ المحيط بتقبل هذه الأفكار يتحقق الاستقرار».
ويختم بقرادوني بالقول: «لولا الديموقراطية اللبنانية لما توافر لنا مكان نقول فيه هذا الكلام. فإعلامنا الحر ـــــ على علّاته ـــــ هو عنصر مهم للتغيير. فقوة لبنان بديموقراطيته، والدولة ولدت بسبب الديموقراطية القائمة على خلق رأي عام، بقدر ما يمكننا تثقيفه، نستطيع أن نتطور بسرعة قياسية. فدورنا الأساسي هو حماية الديموقراطية اللبنانية، ويمكن المسيحي أن يكون الأكثر مرونة مع الآخرين».
لا شك أن كريم بقرادوني أمضى حياته يحلل ويحلم ويناضل ويكتب لأجل قناعاته التي باتت تشكل المعطى الإيديولوجي لتجمع وطني مسيحي في لبنان. ولا شك أيضاً أن بين المسيحيين من يفهمه ويؤيده ومن يفهمه دون أن يؤيده. فهل هو أمام حقيقة محفزة أم حلم يائس جديد؟