ثائر غندورعندما سُئل رئيس القوّات اللبنانيّة، سمير جعجع، عن مصير 14 آذار أجاب: «اتكلوا على حزب الله والجنرال (ميشال) عون، وتأكدوا أن قوى 14 آذار باقية إلى ما لا نهاية». لم يكن كلام جعجع مجرّد تهكّم، بل هو عنى ما قال. فالكثير من الآذاريين «يعتمدون» على سلاح المقاومة وعلى عون في سبيل حماية ما لهم من شعبيّة. لكن هل الكلام عن صعوبة «هضم الطبخة الحكوميّة» عند فريق 14 آذار هو في محله؟ ينطلق أحد الناشطين في حزب أكثري من الوقائع ليلفت إلى أن مسيحيي 14 آذار يخوضون معركة وجود في ما بينهم الآن. فالتشكيلة الحكوميّة لا يُمكن أن تحمل الكتائب والقوات وقرنة شهوان معاً، وما قول النائب أنطوان زهرا: «إذا كان التعامل مع القوات اللبنانية سيتم بشكل تهميش أو مونة مرقولنا إياها وخلينا نعمل حكومة» فقد تعمد القوات إلى تسهيل تشكيل الحكومة بعدم المشاركة فيها»، سوى تهديد مبطن.فالقوّات اللبنانيّة تُفاوض اليوم باسمها واسم قرنة شهوان. وهي تُطالب بوزيرين مارونيين (لها وللقرنة) وآخر غير ماروني، كرزمة واحدة. وبهذه الطريقة تُحاول إخراج الكتائب من الحكومة أو على الأقلّ من الحصّة المارونيّة، إلّا إذا «تنازل (النائب سعد) الحريري عن غطّاس خوري» يقول الناشط الأكثري، ويُضيف أن الكلام القوّاتي عن حجم التمثيل وصحّته يضرب على وترٍ حساس جداً، وهو أن القوات والقرنة يملكان عشرة نوّاب في مقابل عدم وجود أي نائب للكتائب، ما يعني أن هذه هي الحلقة الأضعف في المعادلة.
وينطلق الناشط الأكثري في كلامه هذا من أن دور الحكومة هو التحضير للانتخابات النيابيّة المقبلة، ما يعني حكماً أن التمثيل الوزاري يجب أن يخدم هذا التوجه. ويلفت إلى أن أوراق القوّة لدى سمير جعجع هي أنه يستطيع دخول الانتخابات وقد حسم معركة قضاء بشري «تقريباً»، وبالتالي فهو الزعيم المسيحي الأكثري الوحيد الذي يستطيع ذلك. فضلاً عن أنه يخوض معركة في قضاء الكورة إلى جانب حلفائه، وأخرى الى جانب النائب بطرس حرب في البترون، إضافة إلى تأثيره في دوائر انتخابيّة عديدة، بحسب المصدر نفسه.
على الجانب الآخر، تخوض قرنة شهوان معارك في زغرتا والبترون وجبيل وكسروان، وهي معارك تحتاج إلى الكثير من الدعم لتنتهي على نحو إيجابي لهذا الفريق. في المقابل، يتركّز الوجود الكتائبي في منطقة المتن الشمالي، ورغم ذلك اختارت الكتائب وزيراً من زحلة لتقول إن وجودها هناك قوي، ولتفرض نفسها لاعباً أساسياً في هذا القضاء، ثمّ لمّح رئيس الكتائب أمين الجميل إلى إمكان ترشيح نجله سامي في المتن، وهو ما يُثير أعصاب القواتيين. ويقول أحد كوادر القوّاتيين إن «حزب الكتائب حزب للتاريخ، وهو غير موجود حالياً بالنسبة إلينا». في المقابل، يقول رئيس أحد الأقاليم في حزب الكتائب إن الخلاف بين الحزبين طبيعي، «لأننا نتنافس على الناخب ذاته، وفوز فريق يعني خسارة للآخر».
وهذا الصراع لم ينحصر في الأحزاب المسيحيّة، فداخل حزب الكتائب هناك من لا يزال يسعى لأن لا يكون وزيره مارونياً من أجل أن يحصل هو على هذا المنصب، وإن كان خلافه مع الجميّل قد أصبح خلافاً عائلياً، كذلك فإن النظام الداخلي والتقليد الكتائبي يقتضيان أن يُسمي المكتب السياسي الوزير الكتائبي، لا رئيس الحزب، ما يعني أن التراجع عن ماروني قد يفتح الباب أمام نقاش داخلي جديد في الكتائب قد تكون نتائجه أقسى من الحاليّة.
وهناك من يقول في الكتائب إن ما يتعرّض له الحزب مؤامرة بدأت مع اغتيال الشهيد بيار الجميّل ثم أنطوان غانم ولاحقاً حرق الرئيس الجميّل في معركة المتن الفرعيّة ثم جريمة زحلة، بغية إقصاء الكتائب عن المشهد السياسي المسيحي.
يُقارن بعض الساسة الأكثريين بين أداء حزب الله في التشكيل الوزاري وأداء النائب سعد الحريري، فالأول تنازل عن وزيرين لحلفائه واكتفى بواحد له وسمح للأكثرية بالحصول على وزير شيعي، وأعلن استعداده للقبول بأية حقيبة، في المقابل يسعى الحريري إلى الحصول على وزراء مسيحيين.
لكن هذه الوقائع لا تُخيف عضو 14 آذار إلياس الزغبي، الذي يعتبر الحصاد السياسي مختلفاً عن الحصاد الوطني، وما يربط أعضاء 14 آذار أكبر بكثير مما يُفرّقهم، ويشير إلى كلام جعجع عن حزب الله وعون. الزغبي لا ينفي وجود مصالح لفريق أو لآخر، «لكن 14 آذار ستبقى كما بقيت قرنة شهوان» يقول رداً على احتمال أن تكون تشكيلة الحكومة مفصلاً لـ 14 آذار شبيهاً بالانتخابات النيابيّة بالنسبة إلى قرنة شهوان، لأن «جوهر القرنة السياسي لا يزال موجوداً، وإن تقمّص في 14 آذار».