بعد ثلاثين عاماً على عمليّة «كمال عدوان» التي نفّذتها مجموعة من حركة فتح في تل أبيب عام 1978، يجتمع الرفاق مجدّداً، ولكن هذه المرّة خلف نعش قائدة العمليّة الشهيدة دلال المغربي التي يتوقّع استعادة جثمانها ضمن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله. المغربي التي تعود إلى لبنان مع مجموعة من الرفاق الشهداء، سيكون بانتظارها في بيروت رفيقها في العمليّة خالد أبو إصبع، الذي حرص على أن يكون من بين المشاركين في تشييع المقاتلة الراحلة.أبو إصبع، الذي فوجئ بخبر التشييع، عاد مع دعوة حركة فتح له بذاكرته إلى ما قبل تلك الثلاثين، وتحديداً إلى آذار عام 1978، عندما قادت دلال مجموعة مسلّحة مكونة من تسعة مقاتلين، انطلقت من لبنان عبر البحر، وتمكّنت من التسلّل إلى إسرائيل وخطفت حافلة ركّاب إسرائيلية من أجل مبادلة ركابها بأسرى فلسطينيين، في العملية التي حملت اسم أحد قادة حركة «فتح» كمال عدوان الذي كانت إسرائيل قد اغتالته مع قادة آخرين في بيروت عام 1973.
غير أنّ لحظة «الانتصار» لم تدم طويلاً، حيث تمكّنت وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي بقيادة وزير الدفاع الحالي إيهود باراك من فرض سيطرتها على الحافلة وقتل أفراد المجموعة بمن فيهم المغربي، فيما نجا اثنان من المجموعة، حسين فياض المقيم في الجزائر، وأبو إصبع المقيم في مدينة الزرقاء الأردنية في شرق عمان، بعدما أطلقت السلطات الإسرائيلية سراحهما خلال تبادل عام 1985 مع الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة.
ويتذكّر أبو إصبع الكلمات الأخيرة التي نطقت بها دلال بين يديه قبل أن تودي الرصاصة بحياتها، فيقول «حملت دلال عندما أصيبت داخل الحافلة، كانت مصابة برصاصة في رأسها تكلّمت معها وكلّمتني، وبعدما أنزلتها من الحافلة تركتها بين مجموعة أشجار، بينما كانت القوات الإسرائيلية تتقدم نحوي، وبعدما نفدت ذخيرتي اعتقلوني. وخلال التحقيق معي عرفت باستشهاد دلال والرفاق، عندما أحضر أحد المحقّقين صورة لدلال بعد استشهادها، وقال لي مصيرك سيكون مثل مصيرها».
أمّا عن دلال قبل تلك العمليّة، فيلفت أبو إصبع إلى أنّها كانت قويّة «فخلال التدريبات التي بدأناها لتنفيذ العملية، لم نكن نشعر أبداً بأنّها فتاة، فقد كانت تتصرف مثل أي واحد منا، وكانت قوية الشخصية وموضع ثقة أبو جهاد (خليل الوزير) الذي كلفنا بتنفيذ العملية». ويشير إلى أنّ دلال كانت أوّل فدائية فلسطينية تكلّف بعملية عسكرية داخل إسرائيل.
يُذكر أنّ أبو إصبع تلقّى دعوة من حركة فتح في لبنان للمشاركة في تشييع جثمان دلال بعد وصوله إلى لبنان ضمن صفقة تبادل الأسرى.
وفي لبنان، عقدت القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان اجتماعاً استثنائياً موسعاً في مقر الممثلية في بيروت، برئاسة ممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان السفير عباس زكي، وفي حضور عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ـــــ مسؤول المجلس العسكري للحركة نصر يوسف ومساعده علي المصري وقيادتي فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
وصدر عن الاجتماع بيان ثمّن زكي في مستهله «عالياً جهود ونضالات حزب الله التي أسفرت عن تحرير الأسرى أحياء وشهداء، مذكراً بأن الإفراج عن عميد الأسرى العرب سمير القنطار وعروسة فلسطين دلال المغربي له أبعاد ودلالات مهمة في هذه الحقبة من الزمن». وأكد «أن الشهداء الذين روت دماؤهم أرض فلسطين وقاتلوا واستشهدوا على أرضها، لا بد من تنفيذ وصيتهم بأن تحتضن أرض فلسطين جثامينهم الطاهرة».
أضاف زكي: «إذا كانت ظروف عملية التبادل تمنعنا الآن من تنفيذ هذه الوصية، إلا أننا سنبقى أوفياء لشهدائنا، وسنعمل مع حزب الله وكل الأطراف المعنية بقضيتنا العادلة بكل ما نملك من وسائل عاجلاً أو آجلاً لإعادة رفاتهم إلى فلسطين حيث قاتلوا واستشهدوا من أجلها».
وقررت القيادة السياسية تشكيل لجنة لمتابعة تكريم الأسرى والجثامين وعمل كل ما يتطلب لإنجاح هذه المناسبة العظيمة، وذلك بالتنسيق مع حزب الله والدولة اللبنانية، احتفاءً بمن يمثلون فخر الأمة العربية الشهداء والمناضلين، فلسطينيين وعرباً من أجل فلسطين، القضية المركزية والأولى في النضال العربي».
وفي سياق متصل، تمنّى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، في تصريح أمس، أن تكون «عملية الإفراج عن آخر الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية محطة جديدة على طريق تكوين الوحدة الوطنية والعيش المشترك». وأضاف: «نبارك ونهنّئ عائلات الأسرى بالعودة المرجوة لأبنائهم، ومن بينهم عودة ابننا عميد الأسرى سمير القنطار، ابن هذا الجبل الذي احتضن المقاومة وقدم الشهداء على مذبح الوطن، آملين أن تشكل هذه الخطوة مناسبة وطنية جامعة.
من جهته، استقبل مسؤول منطقة الجنوب في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق في مكتبه في صور المسؤول السياسي لـ«الجماعة الإسلامية» في الجنوب بسام حمود، حيث قدم التهاني للمقاومة على «انتصارها الجديد على العدو من خلال عملية تبادل الأسرى وعودة رفات الشهداء». ودعا حمود شرائح وتكوينات المجتمع اللبناني والفلسطيني في لبنان كافة «إلى التعبير عن فرحها وسرورها ابتهاجاً بهذا النصر الجديد، على أن يكون نقطة تحول نحو جمع الصف ورأب الصدع وتوحيد الكلمة».
(الأخبار، وطنية، بو بي آي)