إعداد: رنا حايكيعدّ المطبخ المتوسطي التقليدي، ومن ضمنه الطبخ البيتي اللبناني من أكثر المطابخ العالمية مراعاة للشروط الصحية، إذ ثبت أنه يقلّل من أخطار الإصابة بأمراض القلب. فالغذاء المتوسطي معروف باحتوائه على معدلات منخفضة من الكوليستيرول الضار الذي يعزى إليه تراكم الترسبات الضارة في الشرايين. وهو يرتكز أيضاً على مكوّنات أساسية تتضمن كميات عالية من الفواكه والخُضر، وأنواع صحية من الدهون كزيت الزيتون، والمكسّرات، بينما تنخفض فيه نسبة استهلاك اللحم الأحمر.
يحفّز المناخ المتوسطي، وخصوصاً في لبنان، الإنتاج الدائم للخُضَر والفواكه خلال جميع فصول السنة: فلبنان يعتمد على الاستيراد في كل أنواع الغذاء فيما عدا الخُضَر الطازجة والفواكه حيث يحقّق اكتفاءً ذاتياً بنسة 100%.
كذلك يتناول سكان المتوسط تقليدياً الكثير من الخبز والحبوب كالبرغل والفريكه في المشرق. وحبوب المتوسط هي في أغلبها حبوب كاملة تحتوي على كميات قليلة جداً من الدهون المحوّلة trans fats.
يركّز المطبخ اللبناني التقليدي، الذي يعتمد على «اليخنة» وهي أطباق من الخُضَر المطهوّة بصلصة الطماطم يجري تناولها مع الأرز أو الخبز (قد يضاف إليها اللحم الأحمر)، على الاختيار الحكيم للدهون التي يجري استهلاكها، لا على الحدّ التام من استهلاكها. فبعض الدهون صحية، كالدهون الأحادية غير المشبعة
Monounsaturated fats
الموجود في زيت الزيتون والدهون المتعددة غير المشبعة
Polyunsaturated fats
التي تحتوي على حامض اللينوليك (حمض زيت الكتّان، وهو نوع من الأوميغا 3).
يخفض الأوميغا 3، وهو حامض دهني، معدلات التريغليسيريد ويسهم في تحسين صحة الشرايين. يستبعد المطبخ اللبناني التقليدي الدهون المشبعة والزيوت المهدرجة من مكوناته، وهما عنصران غذائيان يؤدي استهلاكهما إلى الإصابة بأمراض القلب.
أما زيت الزيتون، فجميع أنواعه تؤمّن الدهون الأحادية غير المشبعة.
وهي نوع من الدهون قد يساعد على تخفيف معدلات الكوليسترول الضّار حين يستعاض به عن الدهون المشبعة. زيت الزيتون البكر هو أقلّ أنواع زيت الزيتون تصنيعاً، مما يعني احتواءه على أعلى كميّات من المركّبات النباتية التي تتمتع بتأثيرات مضادة للأكسدة.
يستمد النظام الغذائي المتوسطي الدهون الغنية بالحامض الدهني أوميغا 3 من مصادر عديدة كالمكسّرات، وخصوصاً الجوز. قد تحوي المكسرات نسباً عالية من الدهون (80% من سعراتها الحرارية تتأتى من الدهون التي تحويها)، لكن نسبة الدهون المشبعة تقلّ في تلك التي تنمو على الشجر، كالجوز واللوز وجوز البقّان والبندق. كما يحتوي الجوز أيضاً على الحامض الدهني، الأوميغا 3، إلا أن المكسّرات تحوي سعرات حرارية مرتفعة، لذا يجب تناولها بكميات معقولة، لا تتخطى ما قد تستوعبه قبضة اليد، في اليوم، كما يجب تجنّب تلك المكسوّة بالعسل أو المملحة جداً.
لسوء الحظ، يخضع النظام الغذائي المتوسطي، وخصوصاً اللبناني، للتّبدل. فمثلاً، يتّجه اللبنانيون اليوم نحو التقليل من استخدام زيت الزيتون في طبخهم
إذ أصبحوا يستبدلونه بزيت الصويا أو بزيت الذرة، وهما نوعان أرخص لأنهما مدعومان في بلد الإنتاج. فقد أصبح لبنان البلد الأقل استخداماً لزيت الزيتون في منطقة المتوسط: 2.4 كلغ للشخص سنوياً. تظهر ضآلة هذه النسبة حين تقارن بمعدلات الاستهلاك الشخصي السنوي لزيت الزيتون في بلدان متوسطية أخرى حيث تصل إلى 20.5 كلغ في اليونان، و11.2 كلغ في إسبانيا، و5.3 كلغ في سوريا. يظهر تحليل هذه المعلومات أن السبب في تدني المعدلات في لبنان وسوريا يعود إلى حصول البلدبن على زيوت الطبخ الرخيصة والمدعومة التي تغرق بها البلدان المصدّرة كالولايات المتحدة أسواقنا. أسهمت أنواع الزيوت هذه في تغيير العادات الغذائية في البلدان المتوسطية الفقيرة حيث أصبح السكان يتجهون أكثر فأكثر نحو قلي طعامهم.
إلا أن قلي الغذاء يسهم في تغيير طبيعته ويرفع نسبة السعرات الحرارية فيه، وبالتالي، يؤدي إلى زيادة احتمالات الإصابة بالبدانة وبالوزن الزائد.
في المقابل، ترتفع معدلات استهلاك زيت الزيتون في البلدان التي تدعم الحكومات فيها إنتاج هذا الزيت، كإسبانيا وإيطاليا واليونان.
تتجه التأثيرات الإيجابية للنظام الغذائي المتوسطي نحو الاضمحلال في أكثر البلدان احتياجاً إليها: الأمم الفقيرة التي لا تستطيع تحمّل نفقات علاج أمراض القلب والأمراض المتعلقة بالبدانة.
أليس من الحكمة ومن الذكاء أن تتجه الحكومة اللبنانية نحو تشجيع استهلاك زيت الزيتون عبر دعم مزارعيه وسوقه بدل أن تدفع الثمن الطبي المتعلّق بالمشاكل الناتجة من استخدام زيت مستورد رخيص لكن مشبع بالدهون؟