تَشَكُّل جديد ينتظر الحزب وارتفاع أسهم الأفكار الفيديراليّةغسان سعود

فالسنة الثانية من ثورة الأرز كانت قاسية جداً على حزب العائلة الجميليّة العريقة، الذي، ورغم خسارته لقائده السياسي والتنظيمي بداية ثم لمسؤول الاتصالات السياسيّة فيه، ورغم خسارة رئيسه القاسية في فرعيّة المتن، ثم استقالة رئيسه كريم بقرادوني وأبرز مسؤوليه خلال ربع القرن الماضي، بقي واقفاً على قدميه. وعشيّة تأليف الحكومة لم يبذل جهداً يذكر ليؤمّن حصة وزاريّة توازي حجماً حصة القوات التي لم تترك باباً لم تقرعه لتأمينها. ويؤكد أحد المتابعين لمفاوضات تأليف الحكومة أن رئيس كتلة المستقبل سعد الدين الحريري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط كانا متحمسين ضمناً لإعطاء الكتائب واستنهاضها أملاً بنجاحها في التفاهم لاحقاً مع رئيس الجمهوريّة، ولعب دورها التاريخي كحزب الرئيس، مع ارتياح جنبلاط إلى هدوء الكتائب في مقاربة الملفات وعدم اعتمادها على «العنتريّات».
هذا في الحكومة، أما نيابياً فقد تكون القوّات أكثر اطمئناناً من الكتائب إلى قدرتها على إيصال كتلة نيابيّة إلى برلمان 2009 (لن يتخطى عديدها 3 نواب بحسب بعض التقديرات). ولكن في المقابل، تظهر الكتائب أكثر ارتياحاً من القوات على صعيد الترشيح، إذ تبدو مقاعد مرشّحي الكتائب محجوزة في زحلة، المتن، الأشرفيّة، وكسروان.
وهناك صراع حاد تحت الطاولة بين القوات والكتائب على هوية المرشح للمقعد الماروني الثاني في البترون (على اعتبار أن المقعد الأول سيبقى للنائب بطرس حرب)، ومرشح الشوف (في ظل الكلام التقدمي المتصاعد حول التحفظ عن ترشيح النائب جورج عدوان لاعتبارات كثيرة).
لكن هذا لا يعني أن الكتائبيين لا يواجهون مجموعة تفاصيل انتخابيّة تقلقهم. فترشيح نديم الجميّل في الأشرفية يجعله لاعباً قويّاً في الحزب قد لا تكون البنية الحزبيّة مستعدة له بعد. فيما سيفتح ما يحكى عن ترك مقعد ماروني فارغ على لائحة التغيير والإصلاح في المتن لسامي الجميّل الباب أمام تغييرات كبيرة في تموضع الكتائب السياسي. وخصوصاً أن المحيطين بالجميّل الصغير ينقلون عنه امتعاضاً شديداً من زعماء 14 آذار «الذين لم يعرفوا كيف يديرون الثورة». في ظل شبه إجماع كتائبي على أن من لا يرضى عنه الشيخ سامي لن يقرأ اسمه أبداً وسط مرشحي الكتائب، وهناك من يقول إن سامي يسعى لترشيح عضو المكتب السياسي ألبير كوستانيان عن أحد المقعدين الأرمنيّين في الأشرفيّة، وإيلي ماروني عن المقعد الماروني في زحلة، إضافة إلى أحد أصدقائه عن المقعد الكاثوليكي في المتن (كان ميشال مكتّف يتطلع إلى شغل هذا المقعد).
وعلى المستوى الشعبي، تحافظ الكتائب في الشكل على تماسكها، وتبدو قادرة على الوقوف في موازاة القوّات، ولكن في المضمون، يقول أهل البيت، الحالة أصعب بكثير، وتعلم قيادة الحزب أنّها أمام تحدّيات. فقد توقفت بالكامل حفلات القسم التي اعتاد الشيخ بيار إقامتها كل ستة أشهر، واعتكف معظم أصدقاء الشهيد بيار الجميّل، وعلى رأسهم صهر العائلة ميشال مكتّف، فيما استقال بقرادوني تاركاً وراءه مجموعات لم ولن تستطيب التسليم إلى مرجعيّة العائلة على حساب الله والوطن. وقد بدأ بعض هؤلاء يعدّون ملفاً قضائياً يشكك بشرعيّة كل نتائج المؤتمر الكتائبي الأخير، ليقدموه في الوقت المناسب، والعودة بقوّة إلى بيت الصيفي. ويعتمد سامي في تعييناته وفي إدارة شؤون الحزب الإداريّة على نائب الأمين العام للحزب وليد فارس، ضابط الارتباط السابق بين القوات اللبنانيّة والجيش الإسرائيلي في اجتياح 82 كما يقول الكاتب آلان مينار، والذي عاد إلى الكتائب إثر مصالحة 2005 كواحد من فريق صولانج، ثم انقلب سريعاً عليها وانضم إلى سامي، متوافقاً معه على الخطوط العريضة للفيديراليّة التي يؤمن بها.
ويقول بعض العارفين إن الحزب يعاني على الصعيد الشعبي مشكلتين: الأولى ماديّة، إذ يتأخر منذ بضعة أشهر دفع الأجور لموظفي الحزب، وثمة مشاكل في استثمار الأراضي (وهو الملف الذي كان يتابعه مكتّف). أما الثانية فمتّصلة بخطاب الكتائب السياسي، وافتقاد الحزب إلى قضية يجتمع الناس حولها وتشد العصب الكتائبي. في ظل الكلام المستمر من ناشطين كتائبيين عن سعي جميلي حثيث لإلباس الكتائب ثوب «لبناننا» ولو غصباً عن بعض الكتائبيين الذين وجدوا أن الرئيس أمين الجميّل في أحاديثه الأخيرة عن الوحدات الإقليميّة وحق كل مجموعة بتقرير شؤونها بنفسها إنما كان فيديرالياً.
مع العلم أن أي شكل من أشكال المقارنة بين القوات والكتائب، يفرض عدم نسيان كون طباخي 14 آذار باتوا يعرفون أن مصارعة التيّار الوطني الحر، إذا أرادوها بغير العماد ميشال سليمان، فهي بحزب الكتائب لا بالقوات اللبنانيّة.
فللأخيرة جعجعة كبيرة في الأشرفية وزحلة والمتن وكسروان وجبيل، لكنها تفتقر عملياً إلى الطحين والنفوذ المؤثر انتخابياً، حيث أن معظم قواتيي هذه المناطق ينتخبون في بشري ودير الأحمر، فيما للكتائب نفوذ وحيثيّة تاريخيّة، وخصوصاً في المتن وكسروان والأشرفيّة.


رؤساء الأقاليم

هناك تذمّر شديد من رؤساء الأقاليم الذين عيّنهم الشيخ بيار، إذ أبدل رئيس إقليم بعبدا ناجي بطرس («أقرب الناس إلى الشيخ بيار») بموريس الأسمر، بعد استشارات صوريّة قام بها الشيخ أمين رغم الحيثيّة الشعبية التي يتمتع بها بطرس. وبُلّغ رئيس إقليم كسروان روفايل مارون (كان مقرباً جداً من الشيخ بيار) أنهم سيعيّنون بديلاً منه لا يزال مجهول الهويّة. أما في جبيل فأبدلوا جوزف باسيل الذي عينه الشيخ بيار مسؤولاً عن إقليم جبيل، بطنوس قرداحي الذي كان عضواً في المعارضة الكتائبيّة بزعامة إيلي كرامة. وأقصي سامر سعادة عن رئاسة إقليم البترون، وعُيّن رئيس معهد العلوم الاجتماعيّة السابق جوزف شليطا، وأزيلت صورة رئيس حزب الكتائب الأسبق جورج سعادة (صاحب شعار من حزب المؤسس إلى حزب المؤسسة) عن مدخل بيت الكتائب المركزي في الصيفي. مع العلم أن الجدال يحتدم دوماً بين سامي الجميّل والمقربين من سعادة، على خلفية رفض سامي لاتفاق الطائف الذي يُعدّ سعادة من عرابيه.