strong>احتلت الحروب الحيّز الأكبر من الجلسات التي شهدها مؤتمر الآثار العالمي الذي عقد في دبلن قبل أسبوعين. وكان الاحتلال الأميركي للعراق والسرقة التي تعرّض لها متحف بغداد، واحداً من أكثر المواضيع إثارة للجدل، والذي فتح باب النقاش واسعاً أمام تفعيل دور علماء الآثار وعلاقتهم مع الجيوش
دبلن ـ جوان فرشخ بجالي
هل يمكن فصل علم الآثار عن السياسة؟ هل يمكن تحييد الآثار في حالة الحروب؟ وما هي أفضل الطرق للمحافظة على تراث الشعوب في حال النزاع المسلح؟ تلك هي الأسئلة التي حاول نقاشها عدد كبير من المشاركين في «مؤتمر الآثار العالمي» الذي عقد في دبلن ــــ أيرلندا، بين 29 من حزيران و6 تموز. فتداعيات سرقة متحف بغداد لا تزال تهزّ العالم الغربي بأكمله.
فبالنسبة للإدارة الأميركية هذه وصمة عار يجب أن لا تتكرّر في أيّ حرب لاحقة، وبالنسبة للإدارة الإنكليزية يجب العمل بلا انقطاع لعدم اقتراف مثل تلك الأخطاء. العمل الدؤوب هذا يتم ضمن الإدارات العسكرية مع بعض من علماء الآثار وعلماء تطوّر الجنس البشري. وكان البعض من هؤلاء قد التحق في صفوف الجيش برتبة ضابط مختصّ بالإرث الثقافي، أما البعض الآخر فيتطوع كخبير إبّان الحروب. وأدى تعامل أهل الاختصاص بالبنية العسكرية إلى انقسام حاد في صفوف الأكاديميين الغربيين، انقسام كانت معالمه واضحة في مؤتمرWorld Archaeological Congress (راجع «الأخبار» العدد 568).

التعامل مع المحتلّوللحديث عن الجيوش والتعامل معها، وصل إلى المؤتمر عدد كبير من علماء الآثار العاملين ضمن إطار الجيش الأميركي الذين يدرّبون اليوم بعضاً من وحداته على المحافظة على آثار الشعوب وتاريخها. كما موّلت وزارة الدفاع الأميركية فريقاً لإنشاء أوراق لعب توزع على أفراد الجيش والبحرية، وقد صوّرت عليها مواقع وقطع أثرية من العراق وأفغانستان لدفع العناصر إلى عدم إطلاق النار عليها أو تدميرها، أو حتى شرائها. ولاقت اللعبة رواجاً كبيراً، إلى حدّ أنهم يحضّرون اليوم أوراقاً جديدة تصوّر آثار مصر الفرعونية، بما أن الجيش الأميركي يتدرب هناك كل سنة. وكان السؤال اللافت في المؤتمر إن كانت الإدراة الأميركية قد طلبت منهم تزويدها بصور عن المواقع الأثرية الإيرانية، فيبدو أنه يمكن تقفي تحرك الجيوش اليوم عبر علم الآثار أيضاً.
وفي هذا الإطار، أكد الضابط في الجيش الأميركي ومدير التحقيق في سرقة متحف بغداد والمدعي العام في نيويورك ماثيو بوغدانوس، في إحدى الجلسات، «أن كبار الجنرالات في الجيش الأميركي يقولون اليوم في اجتماعاتهم إنهم لا يريدون أن يكتب عنهم يوماً أن متحفاً ما سرق خلال عملهم العسكري. وهم الآن يعملون على إدخال مستشارين في شؤون التراث ضمن المجموعات الكبرى، لأن أفراد الجيش يخشون أن يطالهم القانون في جرائم ضد تراث الإنسانية في المحكمة الدولية في لاهاي». ولو كانت الولايات المتحدة قد وقّعت على اتفاقية لاهاي للحفاظ على التراث في حال النزاع المسلح، لكان بالإمكان رفع دعوى قضائية ضدها أمام المحاكم الدولية، وهذا ما أكدته الخبيرة في القوانين الدولية لحماية الإرث الثقافي والمدرسة في جامعة دي بول باتي غراتشبرغ التي تنشط حالياً في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة للتوقيع على المعاهدة. ومن بعدها، ستتغير بالطبع طريقة تعامل الجيش الأميركي مع التراث، فهم يقولون «في المرة المقبلة سنحسن القيام بهذه المهمة» (We will do it right next time).

آثار فلسطين

حظيت فلسطين والنزاع الإسرائيلي بجلسات عدة في المؤتمر، خصصت إحداها للاتفاق الذي كان وقّعه علماء من الطرفين (راجع الأخبار العدد 505) والذي يضع بيد الحكومتين ملفاً واسعاً ترتكزان عليه في حال التوصل إلى مفاوضات سلام جدية. وكان لهذا «الاتفاق» وقعه داخل الأوساط الإسرائيلية التي، وإن رفضت من حيث المبدأ أن يتدخل الأكاديميون في سياق السياسة، إلا أنهم أكدوا في الوقت نفسه أنه لم يكن لديهم أي ورقة عمل بهذا الإطار». أما من الجانب الفلسطيني، فقد عُدّ «الاتفاق بمثابة إنجاز رحبت به السلطات الفلسطينية كلها، حتى حركة حماس» كما يقول عادل يحيى الذي كان يقود الفريق الفلسطيني في العمل على الاتفاقية. «ففلسطين لم تكن تحلم حتى بأن تستعيد قطع الآثار المأخوذة من الضفة الغربية، كما أنّ الاتفاق ينص على إنشاء متاحف وعرض القطع والمحافظة على المواقع». ولكن، يرى عالم الآثار الدكتور حامد المدرس في جامع بير زيت أن الاتفاق ضعيف «بما أنه لا يبحث موضوع القدس التي تبقى بحد ذاتها نقطة اختلاف واسعة، وأكبر معضلة في موضوع الآثار».
والجدير بالذكر أن علماء الآثار الإسرائيليين العاملين على المشروع كانوا قد نفذوا بحثاً دقيقاً داخل المخازن الإسرائيلية، وأعطوا للفلسطينيين جردة واسعة بكلّ القطع الأثرية المكتشفة داخل الأراضي الفلسطينية (بحسب اتفاقية 1967) منذ إنشاء «دولة إسرائيل». وبالطبع لم تكن السلطات الفلسطينية لتحظى بتلك اللوائح، ولم تكن لتتمكن حتى من الحصول عليها لولا عمل بعض العلماء من الداخل، وستمثّل تلك الوثائق مدخلاً آخر للتفاوض. تجدر الإشارة إلى أن لبنان مثلاً لا يملك ملفاً كاملاً عن الآثار المسروقة من أرضه أيام الاجتياح والاحتلال الإسرائيليين للجنوب، مع العلم بأن بعض العلماء الإسرائيليين كانوا قد ذكروا في أطروحاتهم أنهم قد قاموا ببعض الدراسات على مواقع في الجنوب من دون إعطاء تفاصيل أخرى، مما يبقي ملف الآثار ضعيفاً جداً في أي مفاوضات سلام قد يدخل إليها لبنان.


الآثار الإيرانية

لاقت لعبة توزيع صور الآثار على عناصر الجيش الأميركي في العراق، لمنع قصفها، رواجاً كبيراً، إلى حدّ أن المعنيين يحضّرون اليوم أوراقاً جديدة تصوّر آثار مصر الفرعونية، بما أن الجيش الأميركي يتدرّب هناك كل سنة. وكان السؤال اللافت في المؤتمر عما إذا كانت الإدراة الأميركية قد طلبت من علماء الآثار تزويدها بصور عن المواقع الأثرية الإيرانية، فيبدو أنه يمكن تقفي تحرك الجيوش اليوم عبر علم الآثار أيضاً.