نقولا ناصيفطويت صفحة تأليف أولى حكومات عهد الرئيس ميشال سليمان كي تفتح صفحة كيف تبدأ في الحكم ومن أين؟
ليست أول حكومة يستنزف الوقت تأليفها، بعدما تأخر مثول حكومة الرئيس شفيق الوزان 52 يوماً أمام مجلس النواب عام 1981، وليست أول «حكومة كل لبنان» بعدما استعار رئيسها فؤاد السنيورة عبارة أحد أسلافه الرئيس تقيّ الدين الصلح عن حكومته عام 1973. وليست أول حكومة تتعايش فيها الموالاة والمعارضة تحت سقف واحد، ولكل منهما حق النقض، ويصطف الوزراء جميعاً تقريباً وراء معسكرين سياسيين متناقضين بعد حكومتي الرئيس رشيد كرامي عامي 1975 و1984 اللتين انفجرتا سريعاً، الأولى فرطت الجيش والثانية ابتكرت المراسيم الجوّالة.
لكنها بالتأكيد أول حكومة يكون فيها رئيس الجمهورية محايداً ورئيس الوزراء طرفاً صلباً في الخلاف السياسي، ويكون نصاب تعطيلها في يد المعارضة. وهي أيضاً أول حكومة يواجه فيها فريقاها المتنازعان أحدهما الآخر على أبواب انتخابات نيابية عامة بعد أشهر كي ينتزع أحدهما من الآخر الغالبية النيابية من أجل أن يطرده من التوازن السياسي الذي أوجب تأليف هذه الحكومة. وأول حكومة يرسم ملامح تأليفها اتفاق إقليمي، ويؤلفها الطرفان المتنازعان ويوقّع مراسيمها رئيسا الجمهورية والحكومة.
لكن إعلان الحكومة الجديدة، بعد 45 يوماً من تكليف السنيورة، أفضى إلى ملاحظات أولى:
أولها، عودة سوريا إلى مجلس الوزراء من خلال عودة قوية لحلفائها إلى السلطة الإجرائية، ولا سيما أولئك الذين أسقطتهم انتخابات 2005 عقاباً لهم على تحالفهم مع دمشق كالوزير طلال أرسلان، أو الذين ارتبطوا معها بتحالف عقائدي كالوزير علي قانصو. وكلاهما تعرّض للنبذ. على أن عودتهما إلى الحكم تستمد تأثيرها من حلفاء آخرين أقوياء بدورهم كحزب الله وحركة أمل اللذين مثّلا جسر عبور الوضع الداخلي من مرحلة ما قبل حوادث 7 أيار التي ولّدت نظاماً لبنانياً معادياً لسوريا إلى آخر بعد تلك الحوادث، كأنه ذاهب إلى مصافحتها بحرارة. وعودة الحلفاء ـــ بالإضافة إلى المواقف الأخيرة المعلنة لرئيس الجمهورية من سوريا ورغبته في إعادة تطبيع العلاقات معها ـــ ستقيّد قدرات الموالاة على الاستمرار في المواجهة معها ما دام القرار أصبح الآن في يد مجلس للوزراء لم يعد على صورة الحكومة السابقة للسنيورة، ولا تمسك الأكثرية النيابية بالغالبية الحكومية فيه، ولا يتفق سليمان مع الموالاة على طريقة مقاربتها العلاقة معها.
ثانيها، أن ثلاثة أركان رئيسيين في الموالاة حصدوا ظاهراً، متفرّقين، الحصص الأقل في الحكومة الجديدة بعدما كانوا في الحكومة السابقة قد أطبقوا على المقاعد والحقائب، على نحو مكّنهم من السيطرة على نصابها. اكتفى السنيورة بوزيرين، أحدهما بحقيبة، هي المال، تولّاها مستشاره السفير محمد شطح، ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط بوزيرين درزيين وحقيبة واحدة بعدما اعتاد مطابقة عدد الحقائب على عدد الوزراء، وللمرة الأولى منذ عام 1992 لم يسمّ وزيراً مسيحياً، ورئيس الغالبية البرلمانية رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري اكتفى هو الآخر بوزيرين عضوين في تكتله هما: عمّته الوزيرة بهية الحريري ووزير أرمني هو جان أوغاسبيان. فيما واقع الأمر أن الثلاثة هؤلاء كانوا يعتزمون في اقتراحات التوزير السابقة لمشاورات الساعات الثماني والأربعين، توزير خمسة من الوزراء المسيحيين الثمانية المرصودة حصتهم للموالاة، أي بما يزيد على نصف الوزراء المسيحيين.
بالتأكيد، للزعماء الثلاثة حلفاء مسلمون ومسيحيون آخرون، بيد أنهم أقرّوا للمرة الأولى منذ انتخابات 2005 بوجود زعماء آخرين يقعون خارج تكتلاتهم كأرسلان وتمام سلام. وأقرّوا على أبواب انتخابات 2009 بمراعاة حلفاء آخرين لهم من داخل الطائفة نفسها باتوا لا يستغنون عنهم بعدما أضحى القضاء دائرة انتخابية، كالوزير محمد الصفدي. فمثّل هو طرابلس، لا النائب سمير الجسر ولا النائب محمد عبد اللطيف كبارة الذي له قدم في التكتل الطرابلسي وأخرى في تيار المستقبل.
ثالثها، أن مسيحيي 14 آذار مدينون بتعديل حصتهم لحزب الله والرئيس ميشال عون بعد مناورتهما البارعة، إذ أكسبتهم مقاعد كانوا يعرفون سلفاً أن الحريري وجنبلاط لن يتخليا عنها إلا بعد هزة عنيفة تضرب وحدة قوى 14 آذار. وبعدما ترك الرئيس نبيه بري وحزب الله لعون حصر التمثيل المسيحي المعارض به، وجد مسيحيو الغالبية أن حلفاءهم المسلمين يقاسمونهم تمثيلهم في الحكومة الجديدة، والأصح أنهم يمنّنونهم بحقائب غير رئيسية كالبيئة والسياحة، ويسيطرون على تلك الرئيسية بمسيحيين موالين للزعيمين السنّي والدرزي أكثر منهم لـ«الخط المسيحي» الذي يمثله لقاء قرنة شهوان داخل قوى 14 آذار، بالحدّ الأدنى من الفروق وخصوصيات الموقف السياسي. وهو ما عبّر عنه بوضوح البارحة النائب السابق غطاس خوري عندما تحدّث عن مواقف طائفية للقاء قرنة شهوان، وعدّه تجمعاً منحلّاً قبل ثلاث سنوات.
زلزلت حصة عون تحالف الموالاة. غضب رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع وطالب بحصة لائقة يحاول بها ظاهراً تعزيز حجته بإعطائه حصة تقارب ما أعطي رئيس تكتل الإصلاح والتغيير، ويطالب ضمناً بردّ الاعتبار إلى ما يمثله كحليف ماروني قوي للحريري وجنبلاط. فأعطي حقيبة العدل بعدما رفض تيار المستقبل مراراً التخلّي عنها. كذلك الأمر بالنسبة إلى وزير لقاء قرنة شهوان نسيب لحود بعدما كاد المقعد يؤول إلى النائب السابق غطاس خوري.
وفي واقع الأمر، كما يعكس إبراهيم نجار وزياد بارود من الوزراء الجدد درجة عالية من مهنية ومراس ملائمين لحقيبتيهما، يمثّل لحود درجة مماثلة من الاحترام الذي تأخر طويلاً اكتشاف السلطات الإجرائية المتعاقبة حاجتها إليها. وهكذا بدا أن بعض وزراء حكومة الوحدة الوطنية هم أفضل بكثير من الطريقة التي اختيروا هم وزملاؤهم بها.