السنيورة يأمل في عمل الفريق والحريري يتّهم قانصو بتهديده بالاغتيالفجأة، فتحت ليلة القدر سياسياً وأمنياً، فأنجز التأليف في اليوم الخامس والأربعين للتكليف، وأصبح للعهد الجديد حكومته الثلاثينية الأولى، وسيطر الهدوء في طرابلس بعد 6 أيام على اندلاع الجولة الجديدة من الاشتباكات، وبذلك يبدأ رئيس الجمهورية إطلالته الخارجية الأولى باطمئنان، في انتظار إنجاز البيان الوزاري، ثم بدء «كباش» البند الأخير من اتفاق الدوحة
بعد «تنازلات مؤلمة» للبعض، ومفرحة لآخرين، أبصرت حكومة فؤاد السنيورة الثانية، النور، أمس، بتشكيلة ثلاثينية تضم 9 عائدين مع السنيورة، و20 جديداً، بينهم واحد كان في حكومة عسكرية وخمسة في حكومات سابقة و14 يدخلون نادي «أصحاب المعالي» لأول مرة. ووفقاً لاتفاق الدوحة، تم توزير 16 من الموالاة و11 للمعارضة و3 لرئيس الجمهورية، بينهم 21 وزيراً تولوا حقائب و7 وزراء دولة، منهم واحد للمعارضة وخمسة للموالاة وواحد للرئيس، إضافة إلى رئيس مجلس الوزراء ونائبه. ومع اقتصار الحكومة الجديدة على 8 وزراء نواب فقط، لوحظ أنها ضمت أسماءً لم يجر تداولها سابقاً، وبعضها غير معروف سياسياً، فيما تم سحب و«انسحاب» أسماء كانت في حكم المؤكدة. وقد دعيت الحكومة الجديدة إلى التقاط الصورة التذكارية عند العاشرة قبل ظهر الأربعاء المقبل في القصر الجمهوري، على أن تعقد أول جلسة لها في القصر أيضاً برئاسة رئيس الجمهورية لتأليف لجنة إعداد البيان الوزاري.

السرايا... على طريق تذليل العقبات

وسبق إعلان التشكيلة، كثير من الاتصالات واللقاءات المعلنة وغير المعلنة، بهدف طبخ تسويات تضمنت أحياناً تبادلات وأحياناً أخرى وعوداً وتمنيات، ما أدى إلى تأمين «انسحاب» البعض علناً، وآخرين دون إعلان التفاصيل.
وكان البارز في هذا الإطار «المخرج» الذي تم إيجاده للنائب السابق غطاس خوري، إذ زار السنيورة في السرايا، معلناً أنه لن يكون «ولم أكن عقبة أمام تأليف الحكومة»، وأبدى عتباً على بعض الحلفاء بالقول «تم استحضار واستخدام شعارات سابقة لـ14 آذار ولا تليق بـ14 آذار وشعاراتها، ومنها العودة إلى لقاء قرنة شهوان الذي ألغى نفسه منذ ثلاثة أعوام ونيف، كل ذلك من أجل التوزير»، داعياً إلى تصحيح المسار «وأنا سأكون في خدمة الوطن ولبنان».
الخطوة المعلنة الثانية، على طريق تظهير الضوء الأخضر لإعلان الحكومة، كانت زيارة النائب سعد الحريري للسرايا. خرج بعدها ليقول إنه تمنى على السنيورة «توزير علي قانصو، لأن مصلحة الوطن والبلد واللبنانيين، وخصوصاً مصلحة العهد وانطلاقته... في هذه المرحلة الدقيقة، مهمة جداً بالنسبة إلينا كتيار المستقبل»، واصفاً ذلك بأنه تضحية من التيار. واتهم قانصو بأنه هدده بالاغتيال. وأعلن أن كل العقبات قد أزيلت من أمام تأليف الحكومة. ورفض وصف ما حدث بأنه تراجع، قائلاً: «لم نتراجع، بالعكس نحن نقدم تضحيات». ودافع عن وحدة 14 آذار، معتبراً أن التنوع والتعددية فيها «قوة لها وليس ضعفاً»، و«لا أحد يحاول أن يراهن على انقسام 14 آذار». وقال إن تياره مسرور ومرتاح لإسناد حقيبة العدل إلى القوات اللبنانية. كذلك دافع عن السنيورة، لافتاً إلى أن تسميته جاءت نتيجة الاستشارات الملزمة «فلا يمنّن أحد في هذا الموضوع». وختم بالقول: «سيبقى شعارنا: لبنان أولاً، ولن يستطيع أحد حشرنا في الزاوية في هذا الوطن».

اجتماعات بعبدا وصدور المراسيم

وبعد اتصالات أجراها رئيس الجمهورية، العماد ميشال سليمان، بالسنيورة، توجه الأخير إلى قصر بعبدا عند الثانية والنصف بعد الظهر، حيث تم التداول في التشكيلة ثم الاتفاق على الأسماء والحقائب، لينضم إليهما لاحقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي اطّلع على التشكيلة الجديدة، وغادر القصر معلناً أن ولادة الحكومة ستتم خلال دقائق. فيما استمر اجتماع السنيورة وسليمان إلى حين إعداد المراسيم التي أذاعها الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، عند الرابعة بعد الظهر، وهي مرسوم حمل الرقم 16 وينص على اعتبار أن الحكومة السابقة مستقيلة، وثان رقمه 17 يقضي بتسمية فؤاد السنيورة رئيساً لمجلس الوزراء، وحمل الثالث رقم 18 وتضمن تشكيلة الحكومة الجديدة (النص في الكادر أدناه).
ولدى خروجه من القصر، قال السنيورة «إن حكومة الوحدة الوطنية، هي حكومة كل لبنان»، محدداً من ضمن مهماتها، مهمتين أساسيتين، الأولى: إعادة الثقة بالنظام السياسي والمؤسسات الديموقراطية والدولة المدنية، أي إعادة الثقة بصيغة العيش المشترك والاعتدال والإيمان بالحرية وقبول الآخر». وإذ لفت إلى أن الاختلافات والتباينات في الآراء والرؤى «لن تزول بين ليلة وضحاها»، رأى أن الأساس هو كيفية إدارة ذلك والعمل على تذليله، مضيفاً أنه بتأليف هذه الحكومة «قررنا أن ندير اختلافاتنا عبر مؤسسات النظام الديموقراطي والحوار لا عبر الإرغام أو الفوضى أو الإكراه».
وذكر أن المهمة الثانية «هي تأمين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة بشفافية»، عبر العمل مع مجلس النواب «للخروج بقانون يؤمن العدالة والتمثيل الصحيح والمعاصرة والشفافية. وعلى الحكومة العمل على إدارة العملية الانتخابية وتأمين التنافس السلمي بين القوى السياسية من دون تحيز أو انحياز لطرف من دون آخر». وأمل «رغم كل ما مررنا به من مصاعب وتحديات، أن نضع الأمور خلفنا لننطلق كفريق عمل واحد»، داعياً إلى إعلاء «شأن ذهنية فريق العمل»، وإلى «أن يكون الحوار داخل مجلس الوزراء بعيداً عن النزول إلى الشارع». وعزا تراجعه عن الاعتراض على قانصو إلى تمنٍّ من رئيس الجمهورية وآخر من الحريري، نافياً أي دور خارجي في تذليل العقبات، وقال إن الحكومة السابقة والجديدة «صناعة لبنانية مئة في المئة».

ترحيب واتصالات واستقبال مهنئين

وبعد إعلان الحكومة، زار نائب رئيس مجلس الوزراء، عصام أبو جمرة، النائب العماد ميشال عون، شاكراً له تضحياته «التي أسهمت في ولادة هذه الحكومة»، كذلك شكره وزير الاتصالات جبران باسيل، على ثقته. وأمّت دارة وزير الثقافة تمام سلام، وفود وشخصيات مهنئة. فيما اتصل الحريري بعدد من الوزراء مهنئاً ومتمنياً لهم وللحكومة «التوفيق لما فيه مصلحة لبنان».
وصدر عدد من المواقف المحلية والخارجية المرحبة، أبرزها من وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير «باسم رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي» الذي ترأسه فرنسا حالياً، الذي وصف تأليف الحكومة بأنه «مرحلة مهمة على طريق تطبيق اتفاق الدوحة»، معتبراً أنه سيكون من «المهم جداً مواصلة تطبيق» هذا الاتفاق عبر بيان وزاري و«حوار وطني» وقانون انتخابي وإعداد الانتخابات. ورأى وزير خارجية إيران منو شهر متكي «أن هذا الإنجاز سيؤدي إلى ترسيخ الوحدة الوطنية بين اللبنانيين واستتباب الاستقرار الداخلي في لبنان».