تطرح شخصية عضو تكتل التغيير والإصلاح نبيل نقولا الكثير من التساؤلات لدى الرأي العام كما لدى المحازبين الجدد في التيار. فهذا الطبيب احتل مساحة في الميدان السياسي أثارت استياء أخصام التيار السياسيين، ولا سيما في المتن، وأوّلهم حزب الكتائب وآل الجميل الذين استفاضوا في اتهامه بجذوره السورية القومية
أنطون الخوري حرب

ما لا يعرفه سوى القلائل عن نقولا أن هذا النائب بشيري المنشأ، منذ انخراطه في مواجهة المنظمات الفلسطينية إلى جانب الابن الأصغر لبيار الجميل، من دون أن ينتسب يوماً إلى الكتائب أو القوات اللبنانية.
فالنائب المتني ابن جل الديب مولود عام 1951 في بلدة كُبّا ـــ البترون، وكان والده يعمل في الكويت، وانتقل بعد عودة أبيه إلى إنطلياس للسكن إلى جانب والديه وسبعة أشقاء هو أصغرهم.
ومنذ 1954 تدرّج نقولا في الصفوف الابتدائية لمدرسة راهبات العائلة المقدسة في إنطلياس لينهيها في المدرسة الأنطونية، مكملاً دراسته التكميلية في مدرسة «الجودة» ـــ جل الديب، وخاتماً دروسه الثانوية في مدرسة المخلّص ـــ بشارة الخوري، قبل أن يتسجّل في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية ـــ قسم الرياضيات عام 1969.
عام 1967 كان باكورة اندفاع نقولا إلى العمل السياسي عبر مشاركته في تظاهرة استنكاراً لاغتيال الصحافي كامل مروّة صاحب جريدة «الحياة». وفي تلك التظاهرة تعرّف إلى بشير الجميل وهو في بداية التماع نجمه، ونشأت بينهما صداقة أثمرت التزام نقولا تنفيذ دورة تدريبية مع بشير في البيت المركزي للكتائب على اللياقة البدنية والسلاح الخشبي على يد بطرس خوند.
بعد دخوله الجامعة، انتسب نقولا إلى جبهة الشباب في حركة الوعي إلى جانب عصام خليفة وإميل يمّين وبول شاوول، وفازت الجبهة بالانتخابات الطالبية ضد الطلاب اليساريين الذين كان يقودهم أنور الفطايري ومنظمة العمل الشيوعي بقيادة نصير الأسعد تحت شعار تطوير البرامج الجامعية، تبعها إضراب واحتلال الكلية لمدة شهرين انتهيا باقتحام الدرك حرم الكلية وعلى رأسهم وزير التربية نجيب أبو حيدر (جنبلاطي) فوقع تصادم كبير بين الدرك والطلاب أدى إلى سقوط جرحى منهم أبو حيدر الذي كلّفه تضميد جرح رأسه 18 قطبة، ولوحق الطلاب أمنياً وقضائياً، فاضطر نقولا للسفر إلى فرنسا. وفي مدينة بوردو الفرنسية، وبسبب انتهاء مدة التسجيل في كلية الهندسة، تحوّل منحى مستقبل نقولا المهني حيث دخل كلية الطب عام 1971. وهناك انتسب إلى الاتحاد العام للطلبة اللبنانيين في فرنسا (UGELF).
انتقل نقولا عام 1973 إلى مرسيليا لدراسة طب الأسنان، وهناك انتُخب عضواً في المكتب التنفيذي لـUGELF.
بعد حادثة عين الرمانة في 13 نيسان 1975، تحوّلت نشاطات UGELF من الثقافة إلى السياسة عبر ندوات عدة عن الدور الفلسطيني في لبنان. وعام 1976 اغتيل لبناني في بلجيكا على أيدي طلاب لبنانيين، ثم اعتُديَ على نقولا على يد مجموعة مماثلة في مرسيليا، فدخل المستشفى لمدة 15 يوماً بعدما أصيب بكسرين في الصدر وانفصال في شبكة العين، وذلك بسبب علاقته ببشير.
عام 1976 تزوّج فرنسية وعاد إلى لبنان في العام التالي لمزاولة مهنته ولممارسة نشاطات ومساعدة النازحين بسبب الحرب، حيث علّمته تلك التجربة أن التهجير والهجرة داخل الوطن هما أسوأ ما يحدث للإنسان.
عام 1986 أصيب نقولا بشظايا قذيفة قرب منزل أهله، وبعدها بعام تعرّف إلى العماد عون.
كان نقولا عضواً في لجنة الأهل بمدرسة الشانفيل حيث كلّف دعوة قائد الجيش لحضور إحدى الحفلات، فكان اللقاء الأول بينهما. وفي صيف ذلك العام، سُجن أكثر من 80 لبنانياً في الكاميرون، بينهم شقيق نقولا بتهمة المساعدة في تنفيذ انقلاب عسكري على الرئيس بول بيا. وحاول نقولا مراجعة الخارجية اللبنانية، فأحالوه على الرئيس أمين الجميّل الذي أبلغه أن الوزير خاتشيك بابكيان سيقوم الشهر المقبل بجولة أفريقية. كما أن الحكومة لم تحرّك ساكناً حيال هذا الموضوع، فزار نقولا عون في منزله يرافقه الصحافي المرحوم جهاد أبو جودة، فاتصل عون بقائد الجيش الكاميروني وأطلق كل الموقوفين في اللحظة ذاتها.
عام 1989 انضم نقولا إلى مسيرة عون في «حرب التحرير» وأصيب منزله في الرابية بالقصف المدفعي، مما أدى إلى احتراقه، ثم قصفت عيادته وبعدها الشاليه الذي يملكه في عمشيت، فلم يبق له مكان يقيم فيه، فغادر مع عائلته لبنان إلى باريس عبر الباخرة التي قصفت أيضاً واستشهدت فيها الطفلتان ربى ومايا عازار، فأصيب نقولا ودخل أحد المستشفيات الفرنسية لعلاج استمر 40 يوماً.
ومن باريس استأنف نقولا دعمه لعون، مشاركاً ومنظّماً للتظاهرات التي نفّذها اللبنانيون بمشاركة شخصيات سياسية فرنسية. وعند انتقال العماد عون إلى مرسيليا في آب 1991، كان نقولا في استقباله أمام منزله، ليباشر بعدها مع فريد حمادة وروجيه عزام وفايز كرم تأسيس الجبهة اللبنانية العالمية لتحرير لبنان (F.M.L.L).
ومن «متفرقات» نقولا:
ـــ عام 2004 اختلف نقولا مع النائب بيار أمين الجميّل بسبب الانتخابات البلدية، وسُجن الأول أثناء دعمه لشقيقته المرشحة في جل الديب بعدما اتهمه المر بمحاولة إيذاء رجال الأمن، وأحيل إلى المحكمة العسكرية.
ـــ عام 2005 لبّى نقولا وعده لعون وعاد معه بالطائرة إلى لبنان. وعندما همّ بالعودة إلى باريس، طلب عون إليه الترشح عن أحد المقاعد المتنية، فقدّم ترشيحه قبل إقفال باب الترشيح بدقائق، ثم حاول تركيب اللائحة المتنية مع الجميّل الأب، ففشلت المحاولة وجرى التعاون مع المر.
بعد الانتخابات، شهدت العلاقة بين نقولا والنائب الجميّل سجالات حادة وصاخبة، لكن هذا لم يمنع النائب العوني من الانفتاح على سامي الجميّل ومحاولة تزكيته للنيابة بعد استشهاد شقيقه، وكاد الأمر أن ينجح لولا حسابات والده أمين.
واللافت أنه النائب الوحيد في تكتل التغيير والإصلاح الذي يرفض علناً منذ اليوم الترشّح لولاية نيابية ثانية. وما من سبب لهذا الزهد الاستثنائي إلاّ تعلّق صاحبه بالحياة العائلية الهانئة والهادئة.