عمر نشّابةقال النائب سعد الحريري، أول من أمس، إنه قرر تجميد كل اتصالاته السياسية في إطار المشاورات الجارية لتأليف حكومة وحدة وطنية، «حتى الالتزام الكامل بتطبيق الشق الأمني من اتفاق الدوحة الذي حظر اللجوء إلى استخدام السلاح، أو العنف، أو الاحتكام إليه في ما قد يطرأ من خلافات، مهما تكن هذه الخلافات، وتطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كل المناطق اللبنانية». وطالب النائب الحريري أعضاء اللجنة الوزارية العربية والجامعة العربية «بإيفاد لجنة عربية لتقصي الحقائق فوراً إلى بيروت، لضمان تنفيذ الشق الأمني من الاتفاق، في ظل عدم التزام بعض الأطراف بتطبيقه». ورأى أن «ما يحصل من تعدّيات وجرائم في بيروت، وكان آخرها إطلاق النار على أحد سكان بيروت أثناء مروره في منطقة بئر حسن، على مرأى من شهود عديدين، ما أدى الى إصابته بجروح بالغة وخطرة وهو لا يزال الآن في حالة غيبوبة ويرقد في سريره في المستشفى، هو أمر لم يعد مقبولاً ولا يمكن السكوت عنه والتعمية عليه خلف دخان المزاعم الإعلامية بالاستعداد لتسهيل تأليف الحكومة».
هذا الكلام لرئيس كتلة نواب «المستقبل» النيابية، وهي الكتلة الأكبر في الندوة البرلمانية، مُستغرب، لأن فيه تراجعاً عن الثقة بالمؤسسة العسكرية التي كان قد لمّح إليها الحريري نفسه وقائدها الذي انتقل إلى رئاسة الجمهورية بعد انتخابه بالأغلبية الساحقة في 25 أيار الماضي. فلدى هذه المؤسسة بالطبع تقارير مفصّلة عن حقيقة ما حصل، ولا حاجة للجنة تقصّي حقائق، إلا إذا كان هناك تشكيك بصدقية تلك التقارير.
إن المطالبة بلجنة تقصي حقائق غير لبنانية هو إعلان عن عدم الاعتماد على عمل النيابات العامّة التي يرأسها النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، والتي يمنحها القانون سلطة الإشراف على التحقيقات القضائية في الجرائم والمخالفات. وهو إعلان عن عدم تصديق ما يصدر عن مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، وحتى عن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي يرأسه المقدم وسام الحسن المعروف بقربه من النائب الحريري ووالده الرئيس الشهيد قبله.

عدم اطلاع النائب الشاب

يبدو أن النائب الحريري لم يفتح عينيه جيداً، أول من أمس، عند إدلائه بتصريحه، أو لم يُسمح له بفتح عينيه جيداً، وهناك عدد من الوقائع تشير إلى ذلك:
لم يطّلع النائب الحريري على تفاصيل الأحداث خلال الأيام الماضية في الطريق الجديدة، بل ركّز على جريمة واحدة وقع ضحيّتها الشاب عماد وفيق الزغلول الذي ما زال يصارع الموت في المستشفى، إذ يبدو أن الحريري لا يعلم بالحادث الذي وقع بالقرب من الملعب البلدي في 28 أيار الماضي، إثر قيام مجموعة من الشبان، «احتجاجاً على توقيف الجيش الدراجات النارية، بسحب ست دراجات نارية من شاحنة تابعة للجيش اللبناني وإحراق إحداها، والاعتداء بالضرب على أحمد المعلم وطعن حسين علي زيتوني». وتمكّن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من تحديد أسماء هؤلاء الشبان، ومن بينهم ضحية جريمة أول من أمس عماد زغلول، الذي عدّته «المعلومات» أيضاً محرّضاً على الحادث. ويمكن النائب الحريري أن يتأكّد من صحة هذه المعلومات بمراجعة تقارير قوى الأمن الداخلي.
ولم يطّلع النائب الحريري جيداً على جرائم أخرى يشتبه في أن أشخاصاً يدّعون مناصرة «تيار المستقبل» في بيروت والبقاع والشمال ارتكبوها، ومنها مجزرة حلبا التي وقع ضحيتها 11 شاباً، والاعتداء على شاب مصاب داخل باحة مستشفى اليوسف في عكّار، بحسب ما أكّده مدير المستشفى. ولم يطلب أهالي الضحايا والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ينتمون إليه لجنة تقصّي حقائق، بل طالبوا بتحقيق جنائي لبناني محايد. وربما لم يطّلع النائب الحريري على جريمة إطلاق النار على مواطنين في منطقة مار مخايل في 27 كانون الثاني الفائت، ومقتل سبعة شبان من بينهم مسعفون. لم يستدعِ ذلك مطالبة الرئيس نبيه بري أو السيد حسن نصر الله بلجنة تقصي حقائق عربية، بل عودة إلى القضاء العسكري اللبناني. كما لم يستدعِ إطلاق النار على أحمد محمود في 3 كانون الأول 2006 ولا حتى إطلاق النار على المواطنين في الرمل العالي في 6 تشرين الأول 2006 ومقتل الطفلين محمد حسن ناجي وحسن لطفي سويد، لجنة تقصي حقائق.

أسئلة للمستقبل

يطرح عدم اطلاع الحريري على الصورة الكاملة عدداً من الأسئلة المهمة، وخصوصاً أنها تخصّ رئيس أكبر تكتّل نيابي في البرلمان: أولاً من يزوّد الحريري بالمعلومات الأمنية والسياسية؟ وهل يطّلع على مختلف وجهات النظر، أم هو يسمع أو يقرأ ما يرده من جهة واحدة دون غيرها؟ ثانياً من يستشير الحريري قبل اتخاذ القرارات السياسية والأمنية المهمّة؟ هل لديه فريق من المستشارين الذين يتمتّعون بالكفاءة والخبرة والذكاء وبرودة الأعصاب المطلوبة؟ هل لمستشاريه الجرأة على إطلاعه على الأخطاء ومكامن الضعف، أم هم يزوّدون النائب الشاب بالمعلومات التي تسرّه فقط، وذلك للتقرّب منه وإرضائه؟
ثالثاً، هل قام النائب الحريري بمراجعة شاملة لأداء تيار «المستقبل» وتصرّفات قياداته خلال الفترة السابقة؟ وهل راجع حساباته بعدما تبيّن أن من تحالف معهم في الغرب لم يهبّوا لنصرته عندما وصل مسلحو المعارضة إلى أبواب قريطم؟ وهل دقّق بمصير الأموال التي صرفت على شراء السلاح وتوزيعه؟ وهل لديه خطّة لإعادة إطلاق «المستقبل» في المرحلة المقبلة بعد ما أصابه من خراب وانهيار؟