strong>لم يصمد الهدوء الأمني النسبي الذي ظن المواطنون أنه سيسود في بيروت بعد اتفاق الدوحة. فخلال الأيام العشرة الماضية، وقعت اعتداءات متبادلة بين مناصري طرفي النزاع السياسي، من دون أن توقِف القوى الأمنية أحداً من المشتبه فيهم، رغم ذكر أسمائهم في تقارير الأجهزة المختلفة. فهل ستتعامل السلطات بجدية أكثر في المستقبل؟
ذكر مرجع أمني رفيع لـ«الأخبار» أن التوتر الأمني في البلاد يبدو انعكاساً للوضع السياسي العام، وخاصة مع عدم حصول اختراق في موضوع تأليف الحكومة. وأشار المرجع إلى أن الاتصالات الأمنية ــــ السياسية تُظهِر أن «الأمور لا تزال مضبوطة عموماً، لكن لا أحد يرضى ببقاء التوتر الأمني ـــ السياسي على حاله، وخاصة أن استمراره كما هو قد يؤدي إلى انفجار لا يريده أحد». وأشار المرجع ذاته إلى أن القضاء وضع يده على التحقيقات التي تجريها الضابطة العدلية في حوادث الأيام الأخيرة. وفي هذه الحالات، «كل الملفات ستبقى مفتوحة حتى توقيف المشتبه فيهم»، مشيراً إلى أن القوى الأمنية ستتعامل بحزم مع كل من قد يسبّب مستقبلاً خروقاً أمنية.
يُذكر أن مجلس الأمن المركزي عقد جلسة استثنائية مساء أول من أمس، وقرر في نهايتها «تكليف القوى العسكرية والأمنية وضع خطة في أسرع ما يمكن لتنفيذ البنود التالية:
1 ــــ وقف التحريض الإعلامي في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.
2 ــــ عودة جميع المواطنين في بيروت إلى المنازل والمؤسسات التي تركوها خلال الحوادث الأخيرة.
3 ــــ نزع الصور والأعلام واللافتات في شوارع بيروت.
4 ــــ إعادة تسليم جميع المكاتب الحزبية إلى جميع الأفرقاء في بيروت».
وذكر مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن تنفيذ ما قرره المجلس يحتاج إلى خطة بين الجيش وقوى الأمن الداخلي، بدأ العمل على وضعها، من دون تحديد جدول زمني معين للبدء في تنفيذ البنود المذكورة. وأشار المرجع إلى أن تسليم المراكز وإزالة الصور مرتبطان بالتقديرات الميدانية لحساسية المناطق التي سيجري العمل فيها. وشدّد المرجع على أن البند الأول المتعلق بوسائل الإعلام لا يعني أنه سيكون للقوى الأمنية تدخّل في عمل وسائل الإعلام، بل ما سيجري هو أن هذه القوى ستقدم إلى المجلس مقترحات يمكن لها أن تُسهم في وقف التحريض الإعلامي.

الطريق الجديدة مجدداً

التوتر الأمني الذي شهده اليومان الماضيان لم يكن وليد ساعته، بل أتى في سياق الحوادث الأمنية التي جرت بعد اتفاق الدوحة. فالانتكاسة الأولى للهدوء الأمني النسبي الذي ساد بعد الاتفاق المذكور كان في اليوم التالي لانتخاب رئيس الجمهورية. فبعد انتهاء خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم 26/5/2008، وقع خلاف بين مناصري المعارضة والموالاة في منطقة كورنيش المزرعة وشارع قصقص، رُمِيَت خلاله قنبلة على مناصرين لتيار «المستقبل» في كورنيش المزرعة. وقد أدت الاشتباكات إلى جرح 14 شخصاً معظمهم من مناصري «المستقبل». في اليوم ذاته، حصل خلاف بين مناصرين لحزب الله وآخرين من مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي في دوحة عرمون، أدى إلى مقتل جندي من الجيش. لم تنته القصة عند هذا الحد في تلك الليلة. ففي صيدا، أصيب اثنان من مناصري تيار «المستقبل» بإطلاق نار خلال اشتباك مع أحد مناصري المعارضة. وقد حدّدت القوى الأمنية جميع المسبّبين للاشتباكات، من دون توقيف أي منهم، ما عدا حادثة عرمون.
هذه الاشتباكات أدت إلى حالة احتقان في صفوف مناصري تيار المستقبل، وخاصة في منطقة الطريق الجديدة. وبعد يومين، (مساء 27/5/2008)، وأثناء قيام قوة من الجيش بمهمة حجز الدراجات النارية في ساحة الملعب البلدي، تجمّع نحو 100 من مناصري «المستقبل»، وأخذوا 6 دراجات نارية من إحدى آليات الجيش، واعتدوا على أحمد المعلم وحسين علي حمود (والده رائد في شرطة مجلس النواب)، وطعنوهما. بنتيجة المتابعة، تمكنت القوى الأمنية من تحديد من رأت أنهم المحرّضون على ما حصل، ومنهم عماد الزغلول. وهذه المرة أيضاً، لم يوقَف أي من المشتبه فيهم. بعد أسبوع، (مساء 3/6/2008) أطلق مجهولون النار على عماد الزغلول في منطقة بئر حسن ــــ قرب سوق الخضر، فأصيب بجروح بليغة، ونقل إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي للمعالجة.
التحقيق في الحادثة كان مستمراً، وحُدّد مالك السيارة التي يشتبه في أن يكون مطلقو النار قد استقلّوها. وسائل إعلام تيار «المستقبل» ذكرت أن مطلقي النار كانوا يرتدون بزات شرطة مجلس النواب، التي ردت في اليوم التالي، موضحة أنه ليس لأفرادها لباس خاص، وأن بزاتهم هي ذاتها التي يرتديها جميع رجال المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
الحادثة أدت إلى رد فعل شعبي في الطريق الجديدة، حيث تجمع نحو 300 شخص أمام منزل ذوي الزغلول مستنكرين ما جرى، كما منع الجيش نحو 20 شخصاً من قطع الطريق أمام مدخل الملعب البلدي.
عماد الزغلول مطلوب للقضاء بموجب أربع مذكرات توقيف، وقد وضعت القوى الأمنية حراسة على غرفته في مستشفى المقاصد الذي نُقِلَ إليه. وعند الثامنة والنصف من ليل أول من أمس، وصلت قوة من الشرطة العسكرية إلى المستشفى المذكور، حيث اعتقد أبناء المنطقة أنها تهدف إلى نقل الزغلول إلى المستشفى العسكري ومن ثم إيقافه بعد تماثله للشفاء. وبناءً على ذلك، تجمّع نحو 300 شخص من أبناء الطريق الجديدة أمام المستشفى لمنع الدورية من توقيف عماد، الذي لا يزال وضعه الصحي شديد الحرج. وفي حي العرب، قطع نحو 50 شخصاً طريق قصقص بواسطة الحجارة احتجاجاً. وبعد اتصالات سياسية ــــ أمنية، تبيّن أن هدف دورية الشرطة العسكرية هو تعزيز وجودها في المستشفى وأمامه، لا توقيف الزغلول، فتفرّق المحتجّون بعيد منتصف الليل.
التوتر لم يقتصر على هذه الحادثة، فقد أحضر إلى مستشفى المقاصد، من شارع محمد الحوت في منطقة رأس النبع، شاب مصاب بجروح طفيفة. وسرت شائعات عن تعرضه للطعن على يد شبان من المعارضة، إلا أن التحقيقات أظهرت أن جروحه ناتجة من حادث عرضي لا من عملية طعن.
التوتر الأمني لم يقتصر على بيروت. ففي بشامون، وعند التاسعة من الليلة ذاتها، أطلق مجهول النار باتجاه حسين البغدادي، فأصابه في رجليه وخاصرته. وقد نقل المصاب إلى مستشفى المقاصد أيضاً، ولا تزال التحقيقات جارية لمحاولة كشف الفاعل.
بدورهم، كان لمناصري المعارضة نصيبهم من الاعتداءات. ففي اليوم السابق لحادثة بشامون، تعرّض أحد أنصار المعارضة، وهو طالب في الجامعة العربية، للضرب من 4 أشخاص في الطريق الجديدة، وذلك بعد عدة ساعات على إطلاق النار باتجاه منزل أحد مناصري المعارضة، في المنطقة ذاتها ــــ شارع الخرطوم، بناية خالد بن الوليد. والحادث الأخير كان الثاني في غضون يومين الذي يتعرّض له المواطن ذاته.
(الأخبار)