طلال عتيّق الأنظمة السياسية في العالم متعدّدة ومتنوّعة، تأسست بعد العديد من الصراعات على مرّ السنين بين الشعوب وحكامهم المستبدين. فبعض الدول يعتمد النظام الرئاسي، والبعض الآخر النظام البرلماني، والبعض النظام المجلسي، والبعض، وما أكثر هذا البعض في عالمنا العربي، يعتمد ما يسمى نظام الزعيم الإله.
نصّ الدستور اللبناني على أنّ النظام السياسي هو نظام برلماني، حيث ازدواجية السلطة التنفيذية وفصل السلطات...
لكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع، نرى نظاماً فريداً من نوعه، متشعّباً، طائفياً، حيث الفساد والمحسوبية يمثّلان الركن الأساسي والعمود الفقري، بل الحلقة المحورية التي يدور في فلكها السياسيون والسياسية.
14 آذار و8 آذار تاريخان يمثّلان نقطة الانطلاق للمشاكل التي يعيشها اللبنانيون. فأي تاريخ من هذين التاريخين يمثّل العنوان لتكتل سياسي جامد بعيد كل البعد عن التكتل الآخر.
فالبلد منقسم والاحتقان بلغ ذروته.
فمن هو على حق؟ أين مصلحة لبنان في كل ذلك؟ عناوين كبيرة مطروحة، لكن في الواقع نرى شعباً تعب من السياسة والسياسيين، شعباً وصل إلى حافة الإفلاس.
نرى أحزاباً تقوم بحروب باسم الدولة دون الرجوع إليها، وعلى الرغم من إرادتها. نرى أحزاباً تحت عنوان حق التعبير والاعتصام تحتل قلب العاصمة دون أية جدوى، وفقط للتعطيل. نرى مجلس نواب في نظام برلماني مقفلة أبوابه ومفتاحها في جيب شخص يفتحه ويقفله متى يشاء، دون الأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية والوكالة التي أعطاه إياها الشعب اللبناني.
هناك البعض يريد أن يحلّ جميع المشاكل قبل السماح للاستحقاقات الدستورية أن تجري في موعدها الطبيعي. فبداية يجب الاتفاق على قانون انتخابي عادل. فما هو معيار العدالة؟ ويجب تأليف ما يسمى حكومة وحدة وطنية دون الأخذ بعين الاعتبار الأكثرية التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، وخلافاً لكل المعايير الموضوعية، ويجب ملء المراكز الشاغرة والاتفاق على المراكز الحساسة، كل ذلك قبل انتخاب رئيس البلاد.
فأي عقل يقبل بذلك؟
إنّنا ننحني أمام صمود المقاومة وصدقيتها وإيمانها والنتائج التي حقّقتها في حرب تموز 2006، على الرغم من الدمار الذي تحمّلته الدولة اللبنانية والشعب اللبناني. لكن هل أهداف قيادة حزب الله، وهو الرأس المخطّط والقائد الأوحد للمعارضة، هي الأهداف نفسها التي قاتل واستشهد من أجلها أفراد هذا الحزب؟
ولماذا بعض الدول الإقليمية ترسل المليارات إلى هذا الحزب؟ أسئلة عديدة قد يسألها كلّ واحد منّا، لكن الإجابات على هذه الأسئلة قد تكون متشعّبة جدّاً. السياسة الأميركية ليست بريئة، وخاصة في الشرق الأوسط. فلا ننسى الوكالة غير القابلة للعزل التي وكّلت من خلالها الإدارة الأميركية النظام السوري ليحكم لبنان بيد من حديد. لكن ما العيب إذا غيّرت أميركا نظرتها إلى الوضع وساعدت الدولة اللبنانية والجيش اللبناني والمؤسسات اللبنانية. قد يكون الحل للأزمة اللبنانية صعباً، معقداً، مستحيلاً. لكن على كل مواطن أن ينظر إلى الوضع بعين مجردة، وأن يتخلّى عن عصبياته السياسية والطائفية، ويمدّ يده إلى أخيه في المواطنية، كي نتمكّن من بناء الوطن معاً. ومعاً فقط نستطيع أن نبني لبنان.