ريمون هنّودلسخرية القدر أنّ الجمهور المحلّي المليوني غارق في وحول المستنقع المذهبي الموبوء بأمراض وبيلة تحيا على موبقات أمراء الطوائف المغرّرة بالشباب المسكين، وأريج عهر حيتان المال بائعي الشعوب في سوق النخاسة بالمزاد العلني، الذين ولّدوا همجية جندلت الأبرياء الطيّبين وأغرقت الحجر والبشر في بحيرات من الدماء الزكية الطاهرة، وأحيت شريعة نيرون ودراكولا وتيمور لنك وسيغوروس وسوموزا.
والمضحك المبكي أن الشرائح المذهبية في وطن الأرز العربي ما زال يصدح صوتها أنيناً وولولةً جرّاء شكواها من مرض الإحباط والتهميش والغبن والتهشيم والهضم والقضم.
وعلى ما يبدو، فإن الشرائح تلك لم تكتفِ بتجاربها السعيدة المنصرمة، مع أن كل واحدة منها تناوبت على فرض ديكتاتوريتها الخاصة على مقدّرات الوطن الجريح النازف ومفاصله.
إن هذه الشرائح لم تعد النصائح تجديها نفعاً، وعبثاً حاولت أهداف التوعية انتشالها من سقوطها المريع المدوّي في فخاخ وبراكين العصبيات، ولكن لا حياة لمَن تنادي «دقّ الميّ وبعدا ميّ».
فيا أمراءنا الكرام ويا حيتان المال، أنتم يا مَن أصبتم بهلوسة المذهبية وهذيان العظمة البورجوازية النيوليبرالية، أنتم يا مَن ورثتم الداء الإقطاعي السرطاني الخبيث، اختشوا وكفاكم ادّعاءً وتمارضاً طوعياً بالإحباط المذهبي. لستم عمياناً. كلكم تعلمون أن كتلكم النيابية الضخمة المخملية تتقاضى رواتب تطعم الحاشية والأزلام، وجميع أنواع حيواناتكم الأليفة المتلقّية للّقاح النصف سنوي أو السنوي، بينما الإنسان يموت على أبواب المستشفيات جرّاء رفضها استقباله نتيجة ما سبّبتموه له، وعن قصد، من إصابة بمرض «الشحاذة» المتخذ له مكاناً تحت خط الفقر.
كيف نعتب عليكم وأنت ممعنون في إذلال الإنسان ومساواته بالحيوان. فيا مَن تدّعون الإحباط السياسي المذهبي، وللتاريخ فقط سأذكّركم، يا مَن نسيتم أو تناسيتم، في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية عاثت الطغم الحاكمة فساداً في تزوير الانتخابات البرلمانية.
فعام 1947، كان الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني نقولا الشاوي مرشحاً عن مدينة طرابلس، وكان آنذاك كثيرون من الناس، من مؤيّدي الشاوي، يقولون علانيةً: «كنّا نقبض لنصوّت لهذا الزعيم أو ذاك، فصرنا الآن ندفع ونصوّت لنقولا الشاوي». وقد نال الشاوي وحده ما يعادل نصف كمية الأصوات التي نالتها اللائحة الحكومية الائتلافية، ومع ذلك أُسقط نقولا الشاوي في أول عهد بعد الاستقلال، وهو كان الفائز بالتأكيد.
وفي عام 1972، ترشّح الأستاذ حبيب صادق في الجنوب مدعوماً من الحزب الشيوعي اللبناني، ونظّم الشيوعيون وأصدقاء حبيب صادق حملة تبرعات تحت اسم الليرة الشعبية، وحاز حبيب صادق كمّاً هائلاً من الأصوات كرّس له انتصاراً ساحقاً على أكبر زعماء المنطقة، وتمّ بالتالي إسقاطه.
ويروي أحد نواب تلك الفترة أن رئيس الوزراء نفسه الذي أشرف على المعركة الانتخابية قال له: «إن على ذلك الزعيم الكبير في الجنوب أن يشكرني ليل نهار لأنني أنقذته من السقوط المريع أمام الشيوعيّين ومرشّحهم حبيب صادق. وقد أمرت شخصياً بإتلاف كميات كبيرة وضخمة من الأصوات العائدة له». فيا أحبّة، جرّاء هاتين الحادثتين، لا مجال للمقارنة بين المتمارضين طوعاً بالإحباط ومَن يجب أن يغزوهم الإحباط، ولكن الشيوعيّين يرفضون تجرّع هذه الكأس المليئة بالسم ويتعالون فوق الجراح. فعلاً إنّ الشيوعيّين مخيفون لأنهم لا يحبطون، ولأنهم في الماضي والحاضر والمستقبل: لسان حالهم سيبقى الناطق: «مش رح نبقى عبيد».