انتخابات طرابلس بدأت وتحالفاتها ترسم نتائجها ونتائج دوائر أخرىبدأت عمليات فرز القوى تظهر للعيان، رغم أن العملية الانتخابية لا تزال تنتظر قانونها. ولا تزال البلاد تعيش في ظل فراغ حكومي. وقبل القانون وقبل الحكومة لا انتخابات ولا تحالفات ثابتة، إلا أن القوى السياسية، تبدو على عجلة لبت خلافات طالما أخفتها

طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
ما إنْ خرج الدخان الأبيض من مؤتمر الحوار الذي انعقد في الدوحة الشهر الماضي، إيذاناً بالتوصّل إلى حلّ قضى بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق قاعدة 16 /11 /3، وإجراء الانتخابات النيابية المرتقبة السنة المقبلة باعتماد القضاء دائرة انتخابية وفق قانون 1960، حتى شمّرت الماكينات الانتخابية في طرابلس عن سواعدها.إلا أنّ المعركة الانتخابية في عاصمة الشّمال، التي رشّحها المراقبون لأن تكون «أمّ المعارك» في لبنان، سياسياً ومالياً، دفعت الأطراف المعنية بها إلى «تزييت» ماكيناتهم الانتخابية ورفع درجة جهوزيتهم، ومراجعة لوائح الشطب والتدقيق بها وفرزها، واتخاذ الإجراءات المناسبة.
وقبل11 شهراً من الانتخابات، تشير حمّى التصريحات والتحركات إلى أنّ عملية خلط أوراق التحالفات الانتخابية قد فتحت على مصراعيها، وهي ستستغرق وقتاً طويلاً قبل أن ترسو على برّ اللوائح المرتقبة؛ ما يعني أنّ المشهد السياسي الطرابلسي سيشهد نشاطاً مرتفع الوتيرة في المرحلة المقبلة، وأنّ أفرقاء عديدين قد يصلون إلى موعد فتح صناديق الاقتراع، منهكي القوى، بعد أن تكون التجاذبات قد استنزفت قدراتهم.
وكشفت الاتصالات الجارية لتأليف الحكومة، جانباً من التباينات داخل صفوف مختلف الأفرقاء السياسيين في طرابلس، ورسمت علامات استفهام حول مصير تحالفات انتخابات عام 2005.
فبعدما رسا الخيار تقريباً على توزير النائب سمير الجسر، بغية تدعيم موقع تيّار المستقبل في مواجهة خصومه في طرابلس، تصدّر عناوين الحركة السياسية الهجوم الذي شنّه النائب مصباح الأحدب على وزير الأشغال محمّد الصفدي، وإعلان نفسه مرشّحاً لدخول الحكومة بدلاً منه، وردّ مقربون من الصفدي عليه على نحو تجاوز اللعبة السياسية إلى الجوانب الشخصية.
ومع أنّ نوّاب كتلة المستقبل ومسؤوليه في طرابلس والشّمال لزموا الصمت حيال المواقف التي اتخذها الصفدي منذ مؤتمر سان كلو، فإنّ الأحدب وحده شذّ عن القاعدة؛ فلم يترك فرصة إلا وجّه فيها انتقادات لاذعة للصفدي، منطلقاً من اعتباره نائباً غير مستقبلي، لكونه نائباً لرئيس حركة التجدّد الديموقراطي التي يترأسها النائب السابق نسيب لحود.
غير أنّ هذا التباين في الرأي انتقل إلى عرين الصفدي نفسه، الذي بدأ يرسم مسافة افتراق عن حلفائه في التكتل الطرابلسي.
فبعدما جرى استيعاب التباعد في وجهات النظر مع أعضاء التكتل الآخرين، النواب محمد كبّارة وموريس فاضل وقاسم عبد العزيز، حيال انتخاب رئيس للجمهورية بنصاب النصف زائد واحد، كشفت الاتصالات الناشطة لتأليف الحكومة عن تصدّع في صفوف التكتل، مما قد يُهدّده بالانفراط.
وتَمَثّل هذا التصدّع في إبداء كبّارة، ضمناً حتى الآن، نيّته دخول الحكومة بديلاً من الصفدي، الذي كان يعتبر نفسه واحداً من الوزراء «الثوابت» في أيّة حكومة، مما أحدث صدمة داخل صفوف التكتل وفي الشّارع الطرابلسي، زاد من انعكاساتها المواقف المتناقضة للنائبين فاضل وعبد العزيز، التي أكّدت حقيقة الشائعات حيال هذا الموضوع.
ففيما أكّد عبد العزيز أنّه كان ولا يزال يرشح الصفدي، عبّر فاضل عمّا يدور داخل التكتل من تجاذبات، عندما أشار إلى أنّ التكتل يحتفظ بحقه «في أن نتمثل بالحكومة الجديدة، سواء بالصفدي أو كبّارة».
هذا التطوّر الذي قد يؤدّي إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في طرابلس تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة، فسّرته أوساط طرابلسية بأنّه «التقاء مصالح» بين المستقبل وكبّارة، لسببين:
الأوّل ردّ المستقبل الصاع للصفدي من داخل بيته، بعدما أسهم، حسب رأيهم، في عرقلة خطوات كانوا يزمعون القيام بها في ما سبق.
والأمر الثاني «تقريب» كبّارة من قريطم نظراً لما يمثله من قاعدة انتخابية مهمّة ومتماسكة، يحتاج إليها المستقبل للحفاظ على المكاسب التي حققها عام 2005، ونظراً لما تشكّله معركة طرابلس من تأثير على الخريطة النيابية لاحقاً، في الشّمال ولبنان
كله.
وتفسّر هذه التطوّرات نتائج استطلاعات رأي قامت بها أخيراً شركات في طرابلس لحساب جهات معينة، تشير إلى أنّ تيّار المستقبل يحتل المرتبة الأولى من حيث قدرته الانتخابية وتجيير الأصوات (النائب الأحدب احتُسب ضمن حصّة المستقبل)، يليه تيّار الرئيس نجيب ميقاتي، ويتقارب تيّار الرئيس عمر كرامي مع الصفدي في المرتبتين الثالثة والرابعة، فيما يحتل كبّارة منفرداً المرتبة الخامسة، متقدّماً على الجماعة الإسلامية وجبهة العمل الإسلامي وآخرين، من غير احتساب أصوات السلفيين والمشاريع، الذين يتكتمون عن كشف ميولهم السياسية، والعلويين الذين يصبّون أصواتهم عادة «بلوك» وفق التحالفات الانتخابية.
إلا أنّ مراقبين سياسيين يقولون إنّ «انفراط التكتل إذا حصل لن تقتصر تداعياته على طرابلس، بل ستمتد إلى الضنّية، حيث سيجد النّائب عبد العزيز نفسه في مواجهة المستقبل، بعدما فرضه الصفدي في الضنّية كشرط لتحالفه مع المستقبل في طرابلس عام 2005، إضافة إلى عدم معرفة وجهة تحالفات الصفدي في طرابلس، وإلى من سيُجيّر أصوات قاعدته الانتخابية في الضنّية والمنية وعكّار وزغرتا والكورة، إذا وصلت علاقاته مع المستقبل إلى نقطة
اللاعودة».


مال وزعامات

تتصارع القوى السياسية في طرابلس على 8 مقاعد: خمسة للسُّنّة، وواحد لكلّ من الروم الأرثوذكس والعلويين والموارنة.
في الانتخابات الماضية لم يترشّح الرئيسان عمر كرامي ونجيب ميقاتي، مما أفسح أمام تحالف المستقبل والتكتل الطرابلسي لاكتساح كلّ المقاعد.
لكنّ المعادلة في الانتخابات المقبلة تقف على منعطف، نظراً للإمكانات المالية الضخمة لبعض القوى الرئيسية المتنافسة، والامتدادات السياسية لهذه القوى وغيرها خارج طرابلس، مما سيجعل مصير الانتخابات في بعض الأقضية الشمالية مرتبطاً بتحالفات طرابلس الانتخابية على نحو كبير.