سليمان يربط الأمن بالسياسة وجعجع يدعو إلى إعلان حال الطوارئ في مناطق الاشتباكاتبينما بقي الهاجس الأمني في صدارة الاهتمامات، وسط مخاوف من انفجار مفاجئ على نطاق واسع، انشغل الرئيس المكلف تأليف الحكومة بتركيب عدة صيغ حكومية تتضمن توزيعات مختلفة للحقائب الوزارية السيادية والخدماتية
في غياب أية مؤشرات لولادة قريبة للحكومة العتيدة واستمرار التوتر المكشوف والمستور في عدد من المناطق، ربط رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بشكل وثيق بين السياسة والأمن، مؤكداً «أن السياسة هي التي تأتي بالأمن، والأمن هو الذي يأتي بالاقتصاد. فلا أمن من دون سياسة، ومهمة رجل الأمن حفظ الأمن. لكن السياسة تحفظ السلم الأهلي، أما السياسة الخاطئة وغير المسؤولة فهي التي تؤدي إلى توتر أمني يقتل المواطن مرتين وأكثر، لأنه يهجّره من منزله وينتهك كرامته».
وركز الرئيس سليمان، خلال استقباله وفد الهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير السابق عدنان القصار، على الشأن الاقتصادي، مشدداً على «ضرورة وضع برامج وسياسات إنمائية متكاملة وإيجاد تفاعل ما بين المفاصل الاقتصادية الأساسية»، مشيراً إلى «ضرورة تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليشكل طاولة حوار اقتصادية».
وعبّر القصّار خلال اللقاء عن ارتياح الهيئات لمضمون خطاب القسم، مؤكداً دعمها لجهود الرئيس سليمان «في كل ما من شأنه إعادة ترسيخ الثقة في لبنان وبه، ولأي خطوة تتخذها في اتجاه إطلاق عملية الحوار الوطني»، آملاً «من جميع الأفرقاء تسهيل تشكيل الحكومة في أسرع وقت لما لهذا الأمر من تأثير كبير لانطلاقة متجددة للبنان».
كما التقى سليمان السفير الروسي سيرغي بوكين الذي جدد تهاني الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لانتخابه رئيساً للجمهورية، معرباً عن تقدير بلاده للمواقف التي أعلنها الرئيس سليمان في خطاب القسم.
وزار قصر بعبدا مهنئاً رئيس البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في لبنان عباس زكي، على رأس وفد يمثّل جميع الفصائل الفلسطينية ولجنة الطوارئ الفلسطينية، لتأكيد الدعم «للعهد الجديد، وما أعلنه رئيس الجمهورية في خطاب القسم»، متمنياً «الإسراع في إطلاق الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني لإنهاء ذيول الماضي واستكمال عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد وفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية تقوم على الثقة المتبادلة والتعاون».
وأكد «أننا والجيش في الخندق نفسه، وأن الأمن اللبناني يهمّنا أكثر بكثير حتى من أبناء البلد أنفسهم. وما دمنا في هذا الموقف وفي هذه الرؤية سنحول دون تنفيذ أي تهديدات خرقاء من أي جهة كانت».
من جهته، دعا سليمان إلى «طيّ صفحة الماضي الأليم في العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية»، معتبراً أن «ما حصل في مخيم نهر البارد السنة الماضية نتيجة اعتداءات مسلحي «فتح الإسلام» على الجيش اللبناني أنتج مساواة في الأذى بين اللبنانيين والفلسطينيين»، مشيراً إلى أن «لبنان يدعم انعقاد مؤتمر الدول المانحة في فيينا لتأمين الأموال الكافية لإعادة إعمار المخيم».
وتطرق إلى ذكرى اغتيال القضاة الأربعة في صيدا، واصفاً هذه الجريمة بأنها «وصمة عار لن تمحى إلا متى كشف الجناة وتم تسليمهم إلى القضاء»، لافتاً إلى أن «كل دعم ومساعدة يمكن أن تقدمهما الفصائل الفلسطينية لكشف هذه الجريمة سيكونان خطوة مهمة في منع تكرار ما حصل لجهة استعمال المخيمات الفلسطينية لأهداف تضرّ بالفلسطينيين وبأمنهم وسلامتهم».
وتسلّم سليمان من سفير أندونيسيا، باغاس هاسبورو، دعوة رسمية لزيارة بلده. كما تلقى برقيات تهنئة لمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية، أبرزها من رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح، ومن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي انضمت إلى المرحبين بانتخاب سليمان «معبرين لكم عن الأمل الصادق بأن يشكل هذا الانتخاب بداية عهد من السلام والرفاهية للبنان».
وقالت: «لقد حققت الشراكة بين لبنان والولايات المتحدة نجاحات عدة، كما عانت من مشقّات عدة خلال السنوات الأخيرة. وإنني أتطلع إلى العمل معكم من أجل تدعيم هذه الشراكة، ملتزمة شخصياً دعم سيادة لبنان واستقلاله، كذلك دعم التطلعات الديموقراطية للشعب اللبناني».

مزايدة وكلام فوق السطوحوأشار في حديث إلى وكالة «فرانس برس» إلى أن التشكيلة «تستند إلى اتفاق الدوحة في توزيع النسب، وتتضمن نوعية الحقائب بدون تحديد اسم الحقيبة أو شخصية حاملها»، لافتاً إلى «أن في الحكومة الثلاثينية 22 حقيبة، أربع منها سيادية والأخرى خدماتية، والباقية تعود إلى وزراء دولة من دون حقائب».
وإذ رأى أن طرح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون منطقيّ، وأن «على أية طائفة أن لا تحتكر حقيبة»، قال العبد: «نحن منفتحون ومستعدّون للنقاش، لكن مبدأ المساواة بالحقائب السيادية لا مفرّ منه».
من جهته، كشف رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميّل، بعد لقائه الرئيس السنيورة بدعوة من الأخير للتشاور، عن سلّتين حكوميتين أعدّهما الرئيس السنيورة وعرضهما على المعارضة وأطراف أخرى، وهو بانتظار الجواب، لافتاً إلى أن السنيورة ليس متمسكاً بوزارة المال، «ولا يعتبر أن أي وزارة هي حكر لأي فريق، لا وزارة المال ولا الخارجية ولا أي وزارة».
وقال: «هناك وزارات معينة لها أهمية معينة توزّع بالإنصاف، وهناك صنف آخر من الوزارات الخدماتية توزع أيضاً بإنصاف، نأتي بسلّة رقم 1 وسلّة رقم 2، وفي النهاية لا أعرف من يأخذ أي سلة، يمكن أن يتم ذلك بالقرعة».
وطالب الجميل «بتعزيز موقع الرئيس من خلال الوزراء كما نص اتفاق الدوحة وبأن يعينهم هو ويكونوا في الحقائب الأمنية التي تمكّنه من أن يساهم في تحمّل مسؤولياته في هذه المرحلة بالذات»، وأعلن أنه سيجري في الساعات المقبلة اتصالات في محاولة للمساهمة في تذليل العقبات، معتبراً أن للرئيس سليمان ولرئيس المجلس النيابي نبيه بري دوراً في هذا الشأن.
واتهم البعض بالمزايدة وقال: «نسمع منه كلاماً فوق السطوح، ويقول إما يحصل كذا، أو لا نعرف ماذا نفعل، هذا الكلام في غير محله»، نافياً أن تكون المشكلة في فريق 14 آذار، معرباً عن اعتقاده بأنها «في قلب فريق المعارضة وكأنه لا تفاهم بينهم على طريقة توزيع الحقائب». والتقى السنيورة النائب وليدجنبلاط.
وكان عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب نعمة الله أبي نصر قد زار بكركي أمس، وذكرت «وكالة الأنباء المركزية» أن أبي نصر أطلع البطريرك الماروني نصر الله صفير على وجهة نظر العماد عون من مطالبته بحقيبة المال، وإصراره على باقي الوزارات.

التنازل مطلوب من مالك كل شيء

وأكد أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان أن «التأخر في ولادة الحكومة، ليس سببه تمسك العماد عون بحقيبة وزارة المال كما يدّعي فريق السلطة، بل في الذهنية التي تعوّدت الاستئثار بالسلطة ووضع كل ما يعاكس مصلحتها من أمور في خانة العقد والعرقلات». كذلك، رأى رئيس «الكتلة الشعبية» النائب إلياس سكاف بعد زيارته المرجع السيد محمد حسين فضل الله أن السبب في تأخير تشكيل الحكومة «هو مصالح بعض من كان يسيطر على مقدرات البلد، ولعلّهم يجدون صعوبة في التنازلات، معتبراً انه إذا أردنا أن يكون هناك وحدة للوطن وبداية مصالحة، يجب أن يكون هناك تنازل والذي يملك كل شيء عليه أن يقدم بعض الشيء للفريق الآخر.
ورأى عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان» أنه إذا كان هناك من رغبة لدى العماد عون في تولي حقيبة سيادية فليتولّ هو الحقيبة التي ستسند إلى قوى 8 آذار، ولفت إلى أن «الأمور تحركت في الساعات الأخيرة بشكل أكثر جدية حول تشكيل الحكومة».
وأعلن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع أنه لم يتخذ القرار النهائي بشأن ترشيح نفسه للوزارة، موضحاً أنه سيترك هذا القرار «لمجموعة عوامل سترافق تشكيل الحكومة»، مكرراً أن «القوات ستكون ممثلة في الحكومة الجديدة على قدر حجمها الفعلي السياسي والشعبي».
ودعا إلى إعلان حال الطوارئ في المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة أولاً، ثم إلى تحرك القضاء العسكري ثانياً، مقترحاً أن تعقد طاولة الحوار الوطني مباشرة بعد تشكيل الحكومة، وقبل إعلان البيان الوزاري ليصار إلى الاتفاق مسبقاً على عناوين البيان. وأكد أن ما سيطرحه على طاولة الحوار «هو موضوع الأمن ثم الأمن ثم الأمن، فالاستراتيجية الدفاعية».
وحمّلت الموالاة قوى في المعارضة مسؤولية الحوادث الأخيرة، وربط عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب جمال الجراح ضبط الأوضاع الأمنية بتشكيل الحكومة، متهماً أنصار النائب السابق عبد الرحيم مراد بالاعتداء على الأهالي في بلدة الروضة البقاعية من دون مبرر.
وحمّل النائب عزام دندشي «حزب الله» مسؤولية ما يجري من فلتان أمني متنقل وصفه بـ«العرقنة»، وطالبه بالاعتذار من أهالي بيروت قبل أن تدخل حركات أصولية على الخط وتغلب الاعتدال المتمثل بتيار المستقبل.
من جهته، تساءل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان عن التسويف في تشكيل الحكومة، وقال: «نريد حكومة تضبط الوضع الأمني، وتعيد لكل صاحب حقه، ونرفض التبجح من قبل البعض على اعتبار أنهم حققوا انتصاراً بانتخاب رئيس الجمهورية دون تشكيل حكومة». ودعا إلى إعطاء وزارة المال إلى العماد عون «لعل صلاح الأمور المالية في لبنان يكون على يديه».
ودعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، نعيم حسن، الأطراف إلى «تذليل العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة»، وشدد على «ضرورة تعزيز وترسيخ التلاقي والتفاهم بين اللبنانيين». وأعرب عن عدم ارتياحه لـ«الحوادث الأمنية التي تجري في عدد من المناطق، والتي من شأنها عرقلة الجهود والمساعي المحلية والخارجية المبذولة بهدف اجتياز المرحلة السابقة وطيّ الصفحة المؤسفة التي عاشها اللبنانيون، والتأسيس لمرحلة جديدة تضع الأمور على المسار الصحيح».
على صعيد آخر، التقى المرجع فضل الله وفداً من «الجماعة الإسلامية» ضم أمينها العام القاضي الشيخ فيصل المولوي، ونائبه إبراهيم المصري، اللذين اطمأنّا إلى صحته، وجرى التأكيد خلال اللقاء «أن وحدة المسلمين السنّة والشيعة في لبنان هي الأساس المتين لصون الساحة الإسلامية والوطنية على السواء، وأن المطلوب من جميع المعنيين في هذه الساحة أن يعملوا على إعادة اللحمة إليها من خلال الخطاب الإسلامي الهادئ الرصين ومن خلال الحركة الوحدوية الميدانية».
وتساءل الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، فايز شكر، بعد زيارته على رأس وفد من الحزب الرئيس عمر كرامي «لماذا هذا الاحتقان المذهبي؟ لماذا هذه المشاكل والحوادث الأمنية المتنقلة من منطقة إلى أخرى؟». وقال «إذا كان هناك من رهان ما زال قائماً على الخارج، فإن هذا الرهان يتربص شراً بالبلد، وهذا الرهان خاطئ وكل من يعمل له واهم»، مؤكداً «أن هذا البلد لا يمكن أن تقوم له قيامة إلا بوحدته وقوته ومناعته ومقاومته».
والتقى كرامي وفداً من الهيئة الوطنية لدعم الوحدة ورفض الاحتلال، وشدد الوفد على أهمية «تعزيز الوحدة الوطنية ووأد الفتنة».
ورأت جبهة العمل الإسلامي «أن المواقع والمجالس الدينية الكبرى ذات البعد الطائفي في لبنان باتت تشكل في دفاعها عن أشخاص الرؤساء الثلاثة ومواقعهم عبئاً ثقيلاً على الوطن». ودعت الجبهة «كل المرجعيات الدينية إلى أن تبقى على مسافة واحدة من الجميع».

«مخطّطات مشبوهة في مجلس الأمن»

ورأى «تجمع العلماء المسلمين» أن «الفتن المتنقلة بين بيروت والجنوب والبقاع وإعطاءها طابعاً مذهبياً، إنما تأتي استمراراً لمخطط حصار المقاومة مقدمة لضربها». وقال إن «هدف المماطلة في تأليف الحكومة هو عرقلة تطبيق البندين الأخيرين من مقررات اتفاق الدوحة، وبالتالي إفشاله»، محذراً «من مغبة إمرار مخططات مشبوهة تحاك في مجلس الأمن الدولي لا يمكن أن تمر عبر حكومة تشارك فيها المعارضة، منها تكليف قوات الأمم المتحدة بأمور لم تكن موجودة في القرار 1701، وبالتالي إدخال قوات الأمم المتحدة في صراع مفتوح مع المقاومة خدمة لاسرائيل، «وهذا لن يمر». وطالب وزير الخارجية «بفضح ما يجري واستدعاء موظفي الأمم المتحدة للمساءلة، ذلك أن هذا الأمر يؤثر على السلم الأهلي».


«منبر الوحدة» من «القوّة الثالثة» إلى المعارضة

رأى «منبر الوحدة الوطنية ــ القوة الثالثة» أن مخاض الحكومة عسير «وقد يكون المولود مخلوقاً عجيباً»، مؤكداً أن الحكومة المقبلة ستكون «نتاجاً للواقع السياسي القائم الذي تتحكم به حفنة من الساسة يعملون على تحقيق مآرب آنية وأنانية» ورأى أن «الساحة السياسية هذه الأيام أضحت نهباً لصراعات شخصية سعياً وراء الاستئثار بزعامات فئوية بهدف الفوز في الانتخابات النيابية المقبلة مع أكبر عدد ممكن من الأتباع» لافتاً الى أن «حكومة تأتي نتاجاً لهذه الأجواء لن تكون جديرة بثقة المواطنين». وتحدث عن العقد التي تعترض سبيل تأليف الحكومة والتي تعكس «خامة الطبقة السياسية القائمة التي تتحكم بسلوكها اعتبارات آنية رخيصة ذات طابع فئوي هدام» معتبراً أن «الواقع الحكومي البائس لا يأتلف والإشراقة الواعدة التي أطلت على لبنان بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية»، متمنياً أن تكون الحكومة المقبلة من غير المرشحين للنيابة في الدورة المقبلة.
وأكد المنبر في بيان إثر اجتماعه برئاسة الرئيس سليم الحص أن «التمايز بين الموالاة والمعارضة سوف يسقط نهائياً بما أن الحكومة المقبلة ستضمّهما معاً، وكلا الفريقين سيكون في منزلة الموالاة لحكومة جامعة» معلناً أنه سوف يتخلّى عن صفة القوة الثالثة، لأنه سيجد نفسه «حكماً في موقع المعارضة البنّاءة للحكومة الائتلافية العتيدة، وذلك خدمة للديموقراطية في هذا البلد، فلا مساءلة ولا محاسبة، وبالتالي لا ديموقراطية، من دون معارضة بناءة».