أنطون الخوري حربلا تكاد الانشقاقات والتشرذمات الداخلية الكتائبية تنحسر، حتى يعود آل الجميّل إلى مواجهتها. فبعد عملية التوحيد التي قام بها الرئيس السابق لحزب الكتائب كريم بقرادوني مع الوزير الشهيد بيار الجميل، والتي اكتملت فصولها بخروج بقرادوني ومعظم فريقه من قيادة الحزب، عادت خيوط الفرقة تجثم على علاقات أركان القيادة الجديدة للحزب التي يترأسها الرئيس أمين الجميّل، وذلك على ثلاث خلفيات: الخلفية الأولى تتعلق بالنزاع على رئاسة إقليم الأشرفية بين يمنى بشير الجميل المدعومة من والدتها وشقيقها في وجه مرشح مدعوم من الرئيس السابق للحزب إيلي كرامة، وذلك بعدما نال كل من المرشحين أحد عشر صوتاً بالتساوي، فأتى دعم الرئيس الحالي للحزب بترجيح كفّة ابنة شقيقه في مواجهة مرشح كرامة الذي تردد عن تعاطف رئيس مجلس الشباب والطلاب في الحزب سامي أمين الجميّل معه في مواجهة ابنة عمه، مما تسبّب بحال استياء في صفوف الكراميين الذين هدد بعضهم بمقاطعة الحزب بشكل عام وقيادة الأشرفية بشكل خاص.
أما الخلفية الثانية، فهي أيضاً مرتبطة بجماعة كرامة المنضم إلى وحدة الحزب خلال مخاض انتخابات المتن الفرعية الأخيرة، والموضوع يتعلق بوعد جاهر به الرئيس الجميّل أمام أعضاء قيادته من النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري بمنح الكتائب مقعدين نيابيين مارونيين الأول من حصة جنبلاط في عاليه والثاني من حصة الحريري في عكار، الأمر الذي تسبّب بموجة هيجان كرامية ضد الإتيان بمقعدين ممنوحين كمنّة حريرية وجنبلاطية مضمونة في المناطق التي ليس لحزب الكتائب حضور مؤثر فيها، فيما يتطلب الفوز بمقاعد جبل لبنان تفاهماً على الساحة المسيحية مع سائر الأطراف الحلفاء والمنافسين على حد سواء، وإلا فما نفع ضمان فوز نواب الحزب بأصوات درزية وسنية وعدم ضمان فوز مرشحين للحزب في المناطق
المسيحية؟
لكن الخلفية الثالثة لا صلة لمجموعة كرامة بها، بل هي قائمة كمشكلة داخل عائلة رئيس الحزب نفسه، وهي تدور حول إسناد المقعد الوزاري الموعود به أيضاً إلى الابن أو الصهر.
ففيما يشترط الحريري إيكال الحقيبة الوزارية إلى رئيس مصلحة الأقاليم في الحزب وصهر رئيسه ميشال مكتّف الذي خلف الابن البكر في هذا الموقع بعد استشهاده، لكون الحريري «مزروكاً» في توزيع المقاعد المارونية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتجمع معوّض ـــــ حرب ـــــ فرنجية وسعيد في فريق 14 آذار، والموارنة المحسوبين على الرئيس فؤاد السنيورة، لذلك فهو يفضّل حصول الكتائب على مقعد كاثوليكي، لكون الأمر أسهل لجهة وجود الإمكان والشخص الملائم الذي يفضّله الحريري على سامي الجميّل لأنه يعتبره مساعد صديقه الكبير الوزير الراحل الذي كان على خلاف مستحكم مع شقيقه حتى وفاته. فيما يميل رئيس الحزب إلى توزير ابنه لتأمين استمرارية العائلة وفعالية النهوض بالحزب.
وكانت هذه التطورات قد ظهرت بعد جملة تعقيدات شهدها المؤتمر الأخير للحزب وأرست التباينات الحاصلة بين رؤية وارث آل الجميل سامي للموقف العام للحزب مقارنة بموقفه الشخصي، الذي يبقي من خلاله مسافة إيجابية بينه وبين القاعدة العونية، وخاصة أنه تشارك معها في حقبة كبيرة من العمل الميداني والسياسي ولا يزال يحتفظ بعلاقات ودية بالعديد من مسؤولي التيار العوني الذين شاركوه في هواجسه المعلنة حول مصير المسيحيين بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان. وهي النقطة التي تعمق في صياغة حلول جذرية لها تتمثل بالفكرة الفيدرالية الحامية لحقوق المجموعات والحائلة دون تناحرها، فيما كانت العملية التوحيدية بين جناحي الجميل ـــــ بقرادوني قد ألحقت موقف الحزب بموقف الفريق الأكثري بالكامل، عبر آلية جمع النائبين الشهيدين أنطوان غانم وبيار الجميل مع النائبين صولانج الجميل ونادر سكر، في كتلة رباعية أمنت الشرط الأساسي لحضور أمين الجميل إلى طاولة الحوار في مجلس النواب، ليصبح بعدها الحزب ممثلاً رسمياً بوزير في الحكومة.
وهذا الأمر لم يكن مستساغاً لدى الجميل الأصغر لكونه يعترض على العديد من المواقف الأكثرية حول القضايا الاختلافية القائمة التي حدته إلى عدم تقليد أسلافه.
لم تعد الخلافات الكتائبية محصورة بجدران البيت المركزي للحزب، بل باتت أصداؤها تتردد في اجتماعات الأقسام والأقاليم ولا سيما في منطقتي المتن وبيروت، وحتى داخل التجمعات الحليفة للكتائب كجبهة الحرية.
فهل تشكل حصة الكتائب في الحكومة وخوضها الانتخابات النيابية المقبلة أولى بوادر انقسام كتائبي متجدد لينسحب هذه المرة على داخل عائلة رئيس الحزب فلا تكون معالجته بسهولة المعالجة البقرادونية السابقة، بما يعيد إلى الأذهان الانقسام الأميني ـــــ البشيري الذي لم تنته فصوله حتى بعد اغتيال بشير؟