ثائر غندورلا يزال أغلب المعارضين على ثقة بأن مصير اتفاق الدوحة هو التطبيق. أكثرهم تشاؤماً يقول إن تشكيل الحكومة سيحتاج إلى الكثير من الوقت، لكن جميع بنوده ستجد طريقها إلى التنفيذ. أمّا الهدنة الإعلاميّة فيُمكن الجزم بأنها أصبحت في خبر كان، وخصوصاً أن ما سيعقب تشكيل الحكومة هو إقرار قانون الانتخاب، أي ضمناً الإصلاحات، ولا سيما تلك المتعلّقة بالمال والإعلام والإعلان الانتخابيين؛ وهو أمر لا بد أن يستوجب صراعاً كبيراً، ثم يبدأ التحضير لخوض المعركة الانتخابيّة.
يتفق الكثيرون على أن تقسيمات قانون 1960 ألغت المعركة الانتخابيّة في الكثير من الدوائر، فتتركزّ المعارك في الدوائر المسيحيّة في جبل لبنان وبيروت وفي طرابلس وصيدا والبقاعين الغربي والأوسط. هذا يعني أن المناطق السنيّة، ما عدا بيروت الثالثة، ستشهد مواجهات جديّة، وعلى تيّار المستقبل إعادة ترتيب بيته الداخلي للفوز.
ترى مصادر في المعارضة أن «المستقبل» تفكّك نتيجة معارك بيروت الأخيرة، دون أن تستطيع أي قوّة سنيّة معارضة ملء الفراغ الذي حصل. ثم جاء اتفاق الدوحة سريعاً، بحيث وجد فيه النائب سعد الحريري إمكاناً لإعادة ترتيب بيته الداخلي. غير أن النتيجة لم تكن كذلك، كما تقول هذه المصادر، إذ طرح عدد من المستقبليين أسئلة عن نتيجة سياسة تيّارهم والمصير الذي أوصلهم إليه، وجدوى عامين من التصادم، بعدما حصلت المعارضة في الدوحة على مطالبها كاملةً. وتستطرد مصادر المعارضة إلى القول: هنا، اضطرّ تيّار المستقبل للتوجّه إلى الخطّة البديلة: التوتّر في الشارع. نجحت هذه الخطّة حتى الآن في تحقيق المطلوب منها. فأصبحت الطريق الجديدة قلعة صامدة تواجه «المدّ الشيعي». بقي «الخصم السني». فتوجّهت البندقيّة إلى البقاع لتحاصر الوزير السابق عبد الرحيم مراد في «الغربي» والكتلة الشعبيّة في «الأوسط».
قد يشكل عبد الرحيم مراد لائحة قويّة إذا تحالف مع الأمين العام للحزب الشيوعي السابق فاروق دحروج والتيّار الوطني الحرّ وحركة أمل وحزب الله، فمثل هذه اللائحة قد تحصل على ثلاثة أو أربعة مقاعد من أصل ستّة. نقطة الضعف السنية لدى مراد هي تحالفه مع الشيعة وأنه «رجل السوريين». فأبو حسين حصل في انتخابات 2005 على 32% من الأصوات السنية في مقابل 56% من الأصوات لتيّار المستقبل و15% للحزب الشيوعي، ما يعني أن على المستقبل أن يخلق فارق أصوات سنياً يعوّضه عن الأصوات الشيعيّة التي صبّت له نتيجة التحالف الرباعي.
أمّا في البقاع الأوسط، فيستطيع الصوت السني أن يُعدّل مجرى المعركة إذا استطاع حليف المستقبل المسيحي أن يفرض نفسه. والمنطق ذاته يسري على طرابلس، حيث يطمح المعارضون إلى إنتاج تحالف بين الرئيس كرامي والوزير الصفدي، وهو المنطق الذي ينسحب على صيدا أيضاً.
وفق هذه الرؤية، يصبح دور المشكلات الأمنيّة المتنقّلة إعادة شحن الشارع السني ليستثمر «المستقبل» هذه العصبيّة في المعركة الانتخابيّة، عسى أن يستطيع القائمون على إدارته بناء هيكليّة جديّة تحوّله إلى حزب.