خصّصت مجلة BAAL عددها الخاص الرابع لنشر نتائج دراسات البعثة الألمانية ـــ اللبنانية التي عملت بلا انقطاع خلال السنين الخمس الماضية في بعلبك. الدراسات التي سلّطت الضوء على المدينة والمجمع الديني لفهم تطور الحياة والبنيان فيها عبر الزمن، خرجت بنتائج لم تكن في الحسبان
جوان فرشخ بجالي

هياكل بعلبك ومقالعها، مدينتها القديمة وحماماتها الرومانية، بيوتها الترابية وأقنية جر المياه... تاريخ بعلبك المدينة، وجوارها، لم يعد سراً بعدما كشفته البعثة الألمانية ـــ اللبنانية، ونُشر في عدد خاص من مجلة المديرية العامة للآثار العلمية (Bulletin d'Archéologie et d'Architecture Libanaises, BAAL) والتي كانت عُرضت في مؤتمر عقد في برلين بين الثامن والتاسع من شهر كانون الأول 2006 تحت عنوان «التطوّر الميداني لهيوبوليس ـــ بعلبك».
وتأتي المجلة والمؤتمر نتيجة للدراسات التي قام بها، خلال خمس سنوات، الفريق العلمي الألماني ـــ اللبناني التابع لمركز الدراسات الأثرية الشرق أوسطية في برلين، بالتعاون مع المديرية العامة للآثار في لبنان. وكان هذا الفريق بدأ عمله في مدينة الشمس بافتتاح متحفها الأثري عام 1998، ومن ثم انتقل إلى العمل الميدانيوتقاسم أفراد البعثة، الذين وصل عددهم إلى ثلاثين عالماً، الدراسات كل بحسب اختصاصه. فعمل علماء الحجر مثلاً على إتمام دراسة تفصيلية لبناء معبد جوبيتر، يتبيّن من خلالها كلّ الفترات التي شُيّد المعبد خلالها. وخلال المؤتمر الذي يلخص مجمل الدراسات، أُتمّت الخريطة الأثرية لمدينة بعلبك وتحديد علاقتها بالمجمع الديني المبني (والذي هو اليوم الموقع الأثري) وباقي مدن سهل البقاع، وتحديد كيفية تطورها المديني عبر العصور. لذا كان من الضروري للفريق العلمي إتمام دراسة الاسبار الكبير الذي كان حُفر في ستينيات القرن الماضي في باحة معبد جوبيتر، ولم يدرس بشكل مفصل.
وقد أدّت دراسة الطبقات الأثرية في داخل الاسبار إلى تحديد عمر الموقع الذي استعمل للمرة الأولى في الألف الثامن قبل الميلاد، أي فترة ما قبل التاريخ، مما وسّع إطار الدراسات لتشمل كلّ فترات استعمال الموقع.
وقد أتم الفريق درس كلّ المواد المستخرجة من هذا الاسبار ونشرها، من قطع صوانية مصقولة إلى قطع فخارية، بعضها محفور عليها والبعض الآخر مجرد قطع من أدوات كبيرة مكسرة، هي مهمة في تأريخ الموقع والطبقات الأثرية. كما أن علماء «نحت» الحجر أتموا دراسات مفصلة عن تشييد معابد بعلبك وحدّدوا تفصيلياً وتاريخياً عمر كل جدار في المعبد الكبيرعمل علمي صعب وجاف، ولكن نتائجه مذهلة، تغير المعتقدات السائدة. ففي إطار إعادة النظر في «النظريات القديمة»، أتمّ الفريق دارسة تفصيلية لتوزيع المعابد داخل المجمع الديني وخارجه، وطرح نظرية جديدة عن ذلك. ولم يقتصر العمل على داخل بعلبك وحيها القديم وبيوتها الطينية، بل امتد إلى جوارها وطرق جر المياه من نبع رأس العين وباقي القرى المجاورة، إلى مقالع الصخر التاريخية التي تقع بجوار المدينة التي استُخرج كل صخور الهياكل منها، والتي لا تزال تحتفظ بآثار الحفر على الصخر وببعض الحجارة الضخمة غير المستخرجة.
دراسة تفصّل بعلبك وتدخل في زوايا تاريخها ومعالمها، لتشرح تفاصيلها، حتى إن مارغريت فان إس، مديرة البعثة الألمانية ـــ اللبنانية ومديرة المركز الألماني لدراسات الآثار في الشرق الأوسط، عدّت إنجازها «والتعاون مع المديرية العامة للآثار في لبنان، والرد على طلب إنجاز هذه الدراسة، إنما كان فخراً لجامعة برلين».
يذكر أن تاريخاً طويلاً يربط الجامعات الألمانية وموقع بعلبك، فالعلماء الأوائل الذين درسوا الموقع في القرن التاسع عشر، أتوا بطلب من الامبراطور الألماني، وأهم دراسات أتمت عنه حتى اليوم قام بها علماء ألمان. وهم في هذا العدد الخاص من BAAL وكأنهم أنهوا ما كان بدأه أسلافهم.
تجدر الإشارة إلى أن المجلة التي تتوزع فيها المقالات بين الفرنسية والإنكليزية، تتوجه إلى أهل الاختصاص وتجيب عن متطلباتهم وأسئلتهم وتساؤلاتهم بلغة علمية صعبة على من هم من خارج الاختصاص، وهي بهذه الطريقة ترد على مبدأ تأسيسها: مجلة علمية. ولكن ماذا لو قامت وزارة الثقافة بالاتفاق مع وزارة السياحة على إصدار كتيبات أو حتى كتب تعمم هذه المعلومات العلمية بهدف إخراجها من دائرة العلماء ووضعها في إطار أوسع بمتناول الجميع. فيكون لبنان في تلك الحالة مثلاً من أولى الدول العربية التي تعمل على مبدأ «علم الآثار المعمم» Archaeology) (Public الذي بدأت الدول الأوروبية تتبعه والذي يرتكز على «تقريب» علم الآثار واكتشافاته من الشعب. من المؤكد أن كتيباً كهذا سيلاقي رواجاً كبيراً، فالكتب ذات المصداقية العلمية والسهلة المنال تنقص بشكل حاد في مكتبات الوطن.


بعل
مجلة علمية لبنانية تنافس الأوروبية

تُصدر المديرية العامة للآثار في لبنان مجلة BAAL العلمية بعدد سنوي واحد، يجمع مختلف الحفريات الأثرية والترميمات للأبنية التاريخية التي تقوم بها الفرق المختصة التابعة للمديرية العامة للآثار أو البعثات الأجنبية العاملة في لبنان.
وكانت المديرية بدأت إصدار المجلة سنة 1996 كعدد سنوي، لكن طرأت مشكلات على النشر، فتوقفت المجلة عن الصدور حتى عام 2002، مما أحدث تفاوتاً في تواريخ الإصدار بين العدد السنوي والتاريخ الذي يصدر فيه.
وتحاول آن ـــ ماري عفيش (المسؤولة عن إصدار المجلة)، جاهدة تعويض الوقت الضائع بإصدار سنوي واحد وإصدار خاص. وتقول إنه «خلال الأسبوعين المقبلين، سيُوزّع العدد 10 من المجلة والذي يتماشى مع عام 2006، وخلال سنة 2008 سيُنشر العدد 11، وفي نهايتها تصبح إصدارات المديرية متوازية بين الأعداد والسنوات».
تقديم المقالات العلمية للمجلة هو أحد الشروط التي تفرضها المديرية العامة للآثار على الفرق العاملة في لبنان، بحيث إن مقالاتهم هي تقاريرهم العلمية التي يتوجب تقديمها بعد انتهاء كل عمل ميداني.
تجدر الإشارة إلى أن أعداد BAAL الأولى كانت مكرّسة لحفريات وسط بيروت الأثرية، وهي تمثّل المنشورات الوحيدة عن تلك الحفريات والاكتشافات. وفي السنين المتتالية توجهت المجلة لمختلف المناطق، وأعطت كلّ الفرق العاملة الفرصة لنشر دراساتها محلياً، وبما أن المجلة تجري مبادلاتها مع كبرى الجامعات في العالم (من فرنسا والولايات المتحدة إلى اليابان وباقي الدول) تكون هذه الدراسات بمتناول العالم العلمي، ولكن بمنشورات لبنانية. وتعدّ إصدارات المديريات العامة للآثار «إجراءً روتينياً» في كل أنحاء العالم، ولكن تتميز BAAL عن باقي منشورات الشرق الأوسط بنوعية الطباعة وصياغة المقالات ودقة التصاميم، فـBAAL تدخل في إطار المنافسة مع المجلات الأوروبية العلمية.
تباع المجلة في مركز البيع في المتحف الوطني في بيروت بسعر 30.000 ل.ل. وتوزّع مجاناً على كلّ المكتبات العامة والجامعية في لبنان.


أقدم كنيسة

اكتشف علماء آثار أردنيون في منطقة رحاب داخل كهف ما يعتقد أنه أقدم كنيسة في العالم.
وقال عبد القادر حسن، رئيس مركز رحاب للدراسات الأثرية «إن الكهف منحوت في الصخر في أسفل كنيسة القديس جورجيوس التي شيّدت سنة 230 بعد الميلاد، ويعود استعماله إلى القرن الأول ميلادية بين سنين 33 والـ70 ميلادية».
ويمتد الكهف ـــ الكنيسة على طول 12 متراً وعرض 7 أمتار، وينقسم إلى قسمين: واحد للمعيشة وآخر داخلي هو عبارة عن بيت للصلاة فيه مذبح يتوسط شكلاً نصف دائري الذي قد يكون أول صدر كنيسة معروف حتى الآن في العالم.
ويقول عبد القادر حسن إنه عثر داخل الكهف على أدوات فخارية كأسرجة تعود للقرن الأول والثاني الميلادي، وختم من الفخار يعود للكنيسة ويحمل علامة الصليب، وهو بالطبع يعود إلى مرحلة أبعد من القرن الأول الميلادي، مما يقود الى الاستنتاج بأن مكان الصلاة والحياة هذا قد يكون استعمل لمدة طويلة.
وعثر في أرضية الكنيسة على كتابة منحوتة تحمل عبارة «أحباء الله الـ70»، مما دفع بعلماء الآثار الى الاعتقاد بأن الكنيسة قد شيدتها مجموعة من أبناء الطائفة المسيحية الذين هربوا من القدس، حيث كان يطاردهم اليهود، وارتادوا المكان وعاشوا فيه وصلّوا بسرية تامة لعقود، وعلى الأرجح أنهم كانوا مجموعة مؤلفة من 70 شخصاً يطلقون على أنفسهم اسم «أحباء الله». تجدر الإشارة إلى أن منطقة رحاب غنية جداً بالكنائس القديمة، حيث أُحصي 30 منها، ولكن الكنيسة ـــ الكهف ـــ المسكن تبقى فريدة من نوعها.