أنطون الخوري حربلا يؤشّر صمت البطريرك الماروني نصر الله صفير حيال التطورات السياسية بعد اتفاق الدوحة، إلى رضاه عنها، وهو الذي اعتقد حين سمع إعلان اتفاق الدوحة من واشنطن أن ساعة حل الأزمة اللبنانية قد أزفت. ويقول أحد المقرّبين منه إن درجة استياء بكركي من تعامل الفريق الحاكم مع ملف الاتفاق القطري لجهة استكمال تنفيذه تكاد تفوق درجة الاستياء التي وصل إليها حين علم بحوادث السابع من أيار الفائت.كما يخطئ من يعتقد أن صفير كان من المرحّبين بإصدار الحكومة قرارها في شأن شبكة الاتصالات لأنه كان يعلم مدى حساسية الوضع السياسي الذي كان فيه حزب الله شبه محاصر، فمثل القرار الحكومي اعتداء عليه وعلى الطائفة الشيعية عموماً. وهذا ما يفسر مشاركة حركة «أمل» في حوادث بيروت منذ اللحظة الأولى التي قطع فيها حزب الله طريق المطار.
ويضيف المرجع الأسقفي أن البطريرك أعطى فريق 14 آذار أكثر مما يحتاج لتغطيته بهدف المحافظة على التوازن السياسي بينه وبين المعارضة، إلا أن الجموح كان سيد سلوك السلطة التي أوصلت البلاد إلى ما نحن فيه.
ويضيف أن صفير تعامل مع الحوادث على قاعدة «رب ضارّة نافعة»، لكون التدخل العربي الذي تسبّبت به ملأ الفراغ الرئاسي، الذي كان يهدد المسيحيين بفقدان آخر موقع باقٍ لهم ضمن المواقع الأولى في الدولة، والذي كان فقدانه يهدد أيضاً بفقدان الصيغة اللبنانية كلها، لكن الإيحاء بأن اتفاق الدوحة لم يهدف الفريق الأكثري منه إلا لتهريب رئاسة الجمهورية، يعطي نقاطاً للمعارضة وللعماد ميشال عون على حساب السلطة ومسيحييها لناحية الخروج بحل يعيد انتظام عمل مؤسسات الدولة والاستقرار إلى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلمَ التلاعب بالأمور وتهديد اتفاق الدوحة بالانفراط؟
لكن قلق بكركي لا يقف عند حدود إبداء الامتعاض، بل يتعداه إلى حثّ المعنيين على العمل، وأولهم رئيس الجمهورية الذي كشف له صفير خلال زيارته بعبدا عن مخاوفه، كما طالبه ببذل ما يلزم من جهود لاستكمال تنفيذ اتفاق الدوحة، وعدم السماح باستعمال سياسة المكيالين في توزيع المقاعد الوزارية لأن التعاطي مع الأحجام السياسية والشعبية بالعدل كفيل بإزالة الاجتهادات والعراقيل التي تفتعل لتعطيل الاتفاق.
وفي موازاة الموقف البطريركي، تحدثت مصادر عن حرص المطران بشارة الراعي على وحدة الصف المسيحي تمهيداً لتمتين وحدة الصف اللبناني. لذلك، يذهب الراعي إلى كل من يحتاج إلى دفع معنوي لتشجيعه على التضحية من أجل صيانة مكتسبات الدوحة التي أرست العناوين الرئيسية للتوافق المطلوب. وهو لن يتردد في توجيه الملامة إلى الذين يفكرون في قلب الأجواء السياسية من جديد، وخاصة أنه شخصياً احترقت أصابعه من مداواة الجروح المسيحية في الماضي ويرفض استنساخها اليوم وفي المستقبل.