غسّان سعودبعد الإحباط المسيحي الذي انقلب كالسحر على الساحر في انتخابات 2005 التي أقصي التيار الوطني الحر خلالها عن التحالف الرباعي، تتحدث أوساط بيروتيّة معارضة من الطائفة السنيّة عن إحباط المعارضين السنّة من واقع يتخبّطون فيه منذ ثلاث سنوات ولا يستشرفون مستقبله. إذ تتقاطع وجهات نظر هؤلاء عند اعتبارهم أن إدارة حزب الله للصراع السياسي لم تكن على مستوى طموحهم.
فبعد حوادث أيّار، تغيّرت أمور كثيرة في الجبل وطرابلس وصيدا والبقاع الغربي. ولكن في بيروت، وقف التغيير عند حدود المصلحة المسيحيّة. من هنا يجد بيارتة المعارضة أنفسهم مضطرين إلى صياغة استراتيجيا عمل جديدة تأخذ جدياً في الاعتبار الحدود التي يقف عندها حزب الله الذي أمّن، بحسب أحد بيارتة المعارضة، على حلفائه في طرابلس وصيدا حيث لا يملك نفوذاً مؤثراً، وسارع إلى قبول المقايضة في بيروت حيث يمكنه خوض معركة انتخابيّة. وبدل أن يطبخ الحزب لحلفائه البيارتة خطة تمكنهم من قطف ثمار الحسم العسكري، ترك هؤلاء أسرى مواقف أسبوعيّة ملّها الناس منذ سنوات، علماً بأن الحريري الذي ينشط هذه الأيام، وفق مصادر متابعة، لتعطيل ما اتفق عليه بشأن التقسيمات الانتخابيّة عاد من الدوحة ليجد أن أوضاع تياره الداخليّة أكثر سوءاً. وقد وصلت الأمور ببعض المسؤولين إلى حدِّ التبادل القاسي للاتهام بالتبعيّة لحزب الله (ثمّة مسؤولون في المستقبل يتهمون مسؤولين آخرين بأنهم كانوا يزوّدون جهاز أمن حزب الله بالمعلومات، وأنّهم نفذوا خلال حوادث بيروت ما طلبه الحزب منهم)، وبسرقة أموال كانت مخصصة لحالات طارئة كهذه. إضافة إلى اعتكاف بعض مسؤولي الأحياء الذين لم تطمئنهم إدارة تيار المستقبل إلى مصير المعركة، وتأكدوا أنهم سيدفعون وحدهم ثمن مغامرات القيادة. وفي رأي المعارضين البيارتة أن حزب الله كان وما زال قادراً على الإفادة من وهن المستقبل، لا بل تعزيزه باختراقات إضافية تفرض التواضع على زعيم قريطم أثناء التفاوض. لكنه تسرّع في إعادة مدّ الجسور وفتح قنوات الاتصال مع المستقبل، وساهم بشكل أو بآخر في إنعاش من كان يفترض أنه على سرير الموت (تماماً كما فعل العماد ميشال عون بالانتقال إلى «مكان محايد» للقاء الرئيس أمين الجميل غداة انتخابات المتن الفرعيّة).
وفي المقابل، ثمة كلام كثير، يردد معارض بيروتي آخر، يقال عن البيارتة أنفسهم. فقد حمى الحزب بعض هؤلاء حين حكي عن مخطط لتوقيفهم بتهم متنوعة، أسوة بالضباط الأربعة والشقيقين محمود وأحمد عبد العال، وحاول قدر استطاعته التنسيق معه عند المفاصل السياسيّة الأساسيّة. علماً بأن غالبيّة هؤلاء كانوا على تواصل مباشر خلال الحقبة السوريّة مع السوريين أنفسهم، وكانوا يؤيدون حزب الله قدر تأييد الأخير لسوريا. من هنا فقد طرأ عليهم التنسيق مع الحزب، ولم يألفوه لأنه مختلف كثيراً عن التنسيق مع الضباط السوريين. والمشكلة، يتابع المصدر نفسه، أن هذه المعارضة أو المعارضات لم تجد من يجمعها ويوحّد خطابها.
(غداً: حلقة ثانية)