ريمون هنودالكثير من الناس تلازمهم عادات، أو بالعربي الدارج، «خصال»، يصعب عليهم التخلص منها، فيجدون أنفسهم مضطرين للتعايش معها، وفي نهاية المطاف تتمكن منهم وتتملّكهم، فتمسي بالنسبة إليهم لذّة عارمة. والعادات كثيرة، منها قضم الأظافر ورفرفة العينين ومداعبة الشاربين، ومنها ما يعجز اللسان المتذوّق لطعم الحياء عن ذكرها.
أمّا أمراؤنا الكرام المستأثرون والمتحكّمون بمفاصل الحياة السياسية في لبنان، فمصابون جميعاً بـ«خصال» لا يفارقونها نظراً لإدرارها عليهم فوائد جمّة سحرية تجعلهم في قمة السعادة والهدوء والطمأنينة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لنأخذ القوانين الانتخابية النيابية. في عام 1960 وُلد قانون الستين، قانون الذهنية الضيقة، وفي عام 2000 ولد قانون غازي كنعان المعتمد على فلسفة غاياتها كانت معروفة، واستمر القانون عينه في انتخابات عام 2005 بناءً على إلحاح أقطاب الحلف الرباعي حينها.
وترقّبنا عام 2008، لعل رياح التغيير تهب وتأتينا بقانون عصري حضاري تحرري متطور، إلا أنها اصطدمت بتنظير جهابذة الانزواء والتزمت، وحسب المثل القائل: «اللي بيغيّر عادتو بتقل سعادتو»، وخاصة المعتاد على قانون «كسّيب» منطلق من قاعدة «التفصيل على القياس»، والوعود التي أغدقت بهز مسمار روتين التخلف المذهبي «وعودة الحق لأصحابه» التي لم تتحقق، فعاد الستين أدراجه ليعيث فساداً زواربياً فئوياً، ليذكّرنا بزمان الطائفية بشقها الميليشياوي حين كان التطاحن وحشياً بين محمد وباتريك «وكان كل واحد فاتح بوتيك»، مما يجعلنا نستنتج أن الإصلاح والتغيير الحقيقيين البعيدين تمام البعد عن المحاصصات المذهبية، محرّمان في بلادنا المعشعشة فيها هرطقات التوتاليتاريات الكانتونية، فأمراء الطوائف في وطن الأرز العربي، ومن خلال تصرفاتهم، يصح فيهم قول لعملاق من عمالقة الشرفاء والوطنيين: «يللي بيصلّي الأحد، ويللي بيصلّي الجمعة، قاعد يفلح فينا على طول الجمعة». ولسخرية القدر فقدرنا يحتّم علينا البقاء تحت نير قانون «فورد أبو دعسة وقانون بندق بوفتيل»، العائدين إلى زمن 1900 وخشبة، والمولودين من رحم التصحّر والانطواء.
مثال آخر، اندلع القتال في بيروت في السابع من أيار الفائت، فكسبت المعارضة جولة بالضربة القاضية بعد أن كانت الموالاة متقدمة بالنقاط، فتصافح الفريقان في الدوحة وتبادلا القبل، وإن مؤقتاً، وما أخطأ المثل القائل: «ما إلك محب إلا بعد قتلة» وإن كاد الود لفترة قصيرة، ونتيجة الهدنة المفعمة بالحب حَبلَ الوطن بالعاطفة والصداقة، وبولادة قيصرية ولد رئيس للجمهورية.
ولكن العادات السحرية استمرت في الشارع، فاستمر سحرها المستعر وتجلى باستمرار الإشكالات اليومية. فعادة الاقتتال سحرية لذيذة، وهي تعشق من يعمّمها بوحشية فتضحي عادة سحرية وحشية معممة، تنبع من مراكز المتخاصمين الذين تجمعهم وحدة الحال، والمتجلية بالتناحر على قالب الجبنة، أو في أسوأ الأحوال تقاسم القالب. إذاً الوحشية المعممة، مركزية، تنطلق من مصدر واحد، هو وحدة الحال، أي إن «السوفاج سنترال» في جميع الحالات حتماً. وتُكمل العادات السحرية وحشيتها حتى النهاية، ومحصلتها النهائية في غرف العمليات في المستشفيات حيث التقطيب الناجم عن التشطيب بسكاكين «السبع طقّات».
ومن كتبت له حياة جديدة يفلح الجراحون في إنقاذه عبر اقتلاع رصاصات مسدسات «التسعة ميلي» والكلاشنكوف. والعادة نفسها تتكرر في صياغة الحكومات، إن كان في حقبة صيغة الأم الحنون 1943 ــــ 1989 أو في حقبة الطائف وملحقه «الدوحة» 1990 ــــ 2008 ولا داعي للقلق، فبعد فرنسا والطائف والدوحة، بالتأكيد «المحبين كتار» بفعل تحكّم الهوس والتعنت وسيطرة النرجسية المولّدة لشرائع دراكولا ونيرون وهولاكو. وكيف لا تكون العادات سحرية لذيذة، ما دام هنالك أروقة ودهاليز ومطابخ سرية تحقن نسيجنا بالمنشطات والمقويات «الشمشونية».