كعادتهن، منذ بدء الاعتصام المفتوح في الخيمة، الذي دخل عامه الرابع، حملت الأمهات المكتويات بنار الانتظار والشوق صور أبنائهن في أحضانهن، ليذكّرن بهذه القضية المنسية، لعلهن يجدن من يلتفت إلى صرخاتهن وحرقتهن، من أجل معرفة مصير أحبائهن، أينما كانوا في سوريا أو إسرائيل أو في المقابر الجماعية. فكت كل الخيم من وسط بيروت، وبقيت خيمتهن التي نصبت قبلها جميعاً. لا أحد يعرف متى ستفك لكن أمهات المفقودين يمكنهن أن يدخلن بسهولة في مجموعة غينيس للأرقام القياسية، باعتبار أن تحركهن الحقوقي والمطلبي هو الأطول في العالم.أمس نظم «مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب» اعتصاماً، أمام خيمة أمهات المفقودين في السجون السورية، في حديقة جبران خليل جبران، مقابل مقر بيت الأمم المتحدة «الإسكوا» في وسط بيروت، في إطار نشاطات 26 حزيران «اليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب».
وألقى رئيس منظمة «سوليد» غازي عاد كلمة أشار فيها إلى «أنه لم تشهد الإنسانية حالة أبشع من ممارسة الإنسان التعذيب ضد أخيه الإنسان. فالتعذيب يهدف إلى إلغاء الضحية وإنكار الكرامة عنها». وقال: «منذ بدء الاعتصام المفتوح الذي أعلنته لجنة أهالي المعتقلين في السجون السورية، والذي دخل عامه الرابع، هناك مشكلة إنسانية وقانونية واجتماعية تتمثل بالتعذيب الجسدي والنفسي للمئات من العائلات والأهل الذين ما زالوا يطالبون بمعرفة مصير أحبائهم ولا حياة لمن تنادي».
وأضاف: «لقد أزيلت كل خيم الاعتصام التي كانت هنا، بعد اتفاق سياسي في الدوحة، وكنا نأمل لو أن الاتفاق التفت إلى حقيقة وجود خيمة متواضعة كانت قبل الاعتصام وبقيت بعده، وهي تمثل قضية تطال الكرامة الإنسانية للضحية وللأهل وللوطن. إن استمرار العذاب والقلق في عدم معرفة مصير المعتقلين والمخفيين قسراً في سوريا، مشكلة خطيرة تجاوزت كل القوانين والقيم الإنسانية والأخلاق، فإلى متى السكوت وماذا تنتظرون حتى تتحركوا؟».
وسأل: «هل أنتم في انتظار وفاة الضحايا والأهل لكي ترتاحوا من أصوات الحق التي تقرع على ضمير إهمالكم وتهربكم من المسؤولية؟ نطمئنكم بأننا لن ننسى، لن نيأس ولن نهدأ، وسيبقى الصوت صارخاً من هذه الخيمة حتى معرفة مصير أحبائنا وعودتهم إلى ذويهم وإلى أرض الوطن».
وألقى الأمين العام للمركز محمد صفا كلمة طالب فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان «شخصياً بزيارة خيمة الأمهات المعتصمات، ليطمئنهن ويجيبهن عن أسئلتهن بشأن مصير أبنائهن، وبأن قضيتهن لن ترمى في أدراج النسيان». وانتقد صفا الحكومات المتعاقبة لتجاهلها هذه القضية، مشيراً إلى أن بقاء هذه الخيمة بعد فك كل الخيم من وسط العاصمة، هو إدانة للجميع من: حكومة ومجلس نيابي والأطراف السياسية كلها، «موالاة ومعارضة»، والأمم المتحدة والمجتمع المدني كله، مشدداً على أنه آن الاوان لأن نجيب هؤلاء الأمهات، إن كان أبناؤهنّ أحياءً أو أمواتاً، وقال: «إذا كانوا أحياءً نريدهم، وإذا كانوا أمواتاً نريد جثثهم».
وتابع: «فك اعتصام المعارضة وانتخب رئيس الجمهورية، وما زالت هذه الخيمة هي الوحيدة العلامة الفارقة على جبين الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي، فلا يجوز بقاء هذه الخيمة وتجاهلها، بل يجب أن تعطى الأهمية التي تستحق، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته تجاه هذه القضية».
من جهة ثانية، أعربت عائلات المفقودين، من كل من الجزائر وبوسنا هرزيقوفينيا وقبرص وإسبانيا والعراق ولبنان وليبيا والمغرب وصربيا وسوريا وتركيا، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان من قارات مختلفة، الذين اجتمعوا في الرباط من 12 لغاية 14 الجاري بمناسبة اللقاء الأورومتوسطي الثاني حول الاختفاءات القسرية، عن ابتهاجهم بإنشاء الفدرالية الأورومتوسطية ضد الاختفاءات القسرية وتطويرها.
وتحت مسمى «نداء الرباط»، استقبلت العائلات «بأمل كبير إقرار الجلسة العامة للأمم المتحدة للمعاهدة الدولية لحماية كل الأشخاص من الاختفاءات القسرية، في 20 كانون الأول 2006».
وطالب النداء بتوقيع الدول التي لم توقع على المعاهدة إلى اليوم، والمصادقة على المعاهدة في أسرع وقت. والامتناع، خلال المصادقة، عن إبداء تحفظات قد تتعارض مع موضوع المعاهدة وهدفها. والاعتراف بأهلية هيئة مناهضة الاختفاءات القسرية لقبول الشكاوى والنظر فيها.
(الأخبار، وطنية)