ِِبلال عبودلم تعد الجامعة بالنسبة إلى بعض الطالبات مجرد مكان للدراسة بل فرصة للهروب مما يسمينه رقابة الأهل الدائمة، وبالتالي فنهاية العام الدراسي تعني عودة إلى سجن المنزل. لا تعرف منال التي أنهت سنتها الجامعية الأولى في كلية الإعلام ما إذا كانت ستقوى على تحمل المنزل بعد كمية الحرية التي شعرت بها خلال هذا العام. تأتي منال من صيدا إلى اليونسكو يومياً لتتابع دراستها «فوالدي لم يسمح لي بأن أسكن في بيروت»، تقول منال ثم تؤكد أنّ والدها «أب رائع»، لكنّه يخاف كثيراً من الوضع الأمني والسياسي، «فبعد أحداث بيروت الأخيرة لم أعد إلى الكلية إلّا بعد مرور عشرة أيام على اتفاق الدوحة».
هذا الحرص لدى والد منال يتحوّل مع رولا، الطالبة في كلية التربية، إلى «سكين على رقبتي يضعها أخي المعقد»، فمشكلة رولا هي أنّ أخاها يراقب كل تحركاتها بالقرب من المنزل فهي في موقع المتهم الدائم، فيما تحوّلت الجامعة إلى فسحة الأمل الوحيدة، «وإلّا فالله أعلم ماذا كنت فعلت». تظهر علامات الغضب والحزن على وجه الفتاة العشرينية وهي تلوم أهلها على السماح لأخيها بالتحكّم في حياتها «هو يغار لأنّه لم ينجح في التسجّل في جامعة ولم يتخطّ البريفيه».
لا تواجه ميساء، صديقة رولا، المشاكل نفسها لكنّها ترى أنّ الجامعة مكان أساسي في يومياتها، وتتمنى لو كان عدد أيام الدراسة سبعة لا خمسة. هناك تلتقي الشاب الذي تحب، وتؤكد أنّها لا تقوم بذلك خوفاً من أهلها، «لأنني بنت شرقية وأعرف أنّه يجب دخول المنازل من أبوابها»، لكنّها تعرف ظرف يوسف الصعب «وأجزم بأنه إذا تقدم لي الآن فسيكون جواب أهلي الرفض».
كما أنّ الجامعة حوّلت ماريا، الطالبة في كلية الحقوق ـ الفرع الثاني، إلى فتاة «شعبية»، كما تقول، بعدما كانت شخصاً انطوائياً في المرحلة الثانوية بسبب تعليقات زملائها على الطريقة التي تظهر بها من تسريحة شعرها والأساور الغريبة التي تضعها في يديها والتي وصلت إلى حد وصفها «بالمشعوذة»، بينما منحتها الجامعة موقع الفتاة «صاحبة الستايل» وبنت صداقات عدة «الزملاء يتعاطون معك على أساس شخصك لا شكلك»، على حد قول ماريا.
أما أصدقاء لينا فتعوّدوا سماع الـ«لا» المتكررة على كل مشروع كانوا يدعونها إليه، فهي من المستحيل أن تخرج وحيدة في أيام العطلة، لذا راحت تستغل أيام الجامعة للخروج والـ«shopping» فدوامها اليومي في الجامعة كما تقول مبتسمة هو بين الثامنة صباحاً والسادسة بعد الظهر وفي بعض الأحيان قد يزيد على ذلك «أعرف أن الأمر يعدّ كذباً، ولكن أفعل ذلك حتى يشعر أهلي بأنّهم مرتاحون». لا تشعر لينا بالذنب من جراء ما تقوم به «لأنّ من يريد أن يقوم بعمل سيء ، قادر على ذلك في أي مكان».